للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجتمَعوا عليه وقامُوا بنَصرِه، وصارَت لهم دارَ إسلامٍ ومَعقِلًا يَلجَؤونَ إليه، شرَعَ اللهُ جِهادَ الأعداءِ، فكانَت هذه الآيةُ أولَ ما نزَلَ في ذلك، فقالَ تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)[الحج: ٣٩] (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ العَربيِّ المالِكيُّ : قالَ عُلماؤُنا : كانَ رَسولُ اللهِ قبلَ بَيعةِ العَقبةِ لم يُؤذَنْ له في الحَربِ ولم تَحِلَّ له الدِّماءُ، إنَّما يُؤمرُ بالدُّعاءِ إلى اللهِ والصبْرِ على الأذى والصَّفحِ عن الجاهلِ مُدةَ عَشرةِ أعوامٍ؛ لإقامةِ حُجةِ اللهِ تَعالى عليهم، ووفاءً بوَعدِه الذي امتَنَّ به بفَضلِه في قَولِه : ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]. فاستمَرَّ الطُّغيانُ، وما استدَلُّوا بواضِحِ البُرهانِ.

وكانَت قُريشٌ قد اضطَهدَت من اتَّبَعه من قَومِه من المُهاجِرينَ حتى فتَنوهُم عن دِينِهم ونَفوْهم عن بِلادِهم، فهُم بينَ مَفتونٍ في دينِه ومُعذَّبٍ وبينَ هارِبٍ في البِلادِ مُغرَّبٍ، فمنهم مَنْ فرَّ إلى أرضِ الحَبشةِ ومنهم من خرَجَ إلى المَدينةِ، ومنهم من صبَرَ على الأذى، فلمَّا عتَت قُريشٌ على اللهِ ورَدُّوا أمَرْه وكَرامتَه وكذَّبوا نَبِيَّه وعذَّبوا مَنْ آمَن به وعبَدَه ووحَّدَه وصدَّقَ نَبيَّه واعتصَمَ بدِينِه أذِنَ اللهُ لرَسولِه في القِتالِ والامتِناعِ والانتِصارِ ممن ظلَمهم وبَغى عليهم، فكانَت أوَّلُ آيةٍ أُنزِلت في إذنِه له بالحَربِ وإحلالِه له الدِّماءَ ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى


(١) «تفسير ابن كثير» (٣/ ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>