للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ القُرطبيُّ : ولا خِلافَ في أنَّ القِتالَ كانَ مَحظورًا قبلَ الهِجرةِ (١).

قالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ : كانَ النَّبيُّ في أوَّلِ الأمرِ مَأمورًا بأنْ يُجاهِدَ الكُفارَ بلِسانِه لا بيَدِه، فيَدعوَهم ويَعِظَهم ويُجادِلَهم بالتي هي أحسَنُ، ويُجاهِدَهم بالقُرآنِ جِهادًا كَبيرًا؛ قالَ تَعالى في سُورةِ الفُرقانِ، وهي مَكيةٌ: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (٥٢)[الفرقان: ٥٢].

وكانَ مَأمورًا بالكَفِّ عن قِتالِهم لعَجزِه وعَجزِ المُسلِمينَ عن ذلك، ثم لمَّا هاجَرَ إلى المَدينةِ وصارَ له بها أعوانٌ أذِنَ له في الجِهادِ، ثم لمَّا قَوُوا كُتبَ عليهم القِتالُ، ولمْ يُكتبْ عليهم قِتالُ مَنْ سالَمهم؛ لأنَّهم لمْ يَكونوا يُطيقونَ قِتالَ جَميعِ الكُفارِ.

فلمَّا فتَحَ اللهُ مَكةَ وانقطَعَ قِتالُ قُريشٍ -مُلوكِ العَربِ- ووفَدَت إليه وُفودُ العَربِ بالإسلامِ أمَرَه اللهُ تَعالى بقِتالِ الكُفارِ كلِّهم إلا مَنْ كانَ له عَهدٌ مُؤقَّتٌ، وأمَرَه بنَبذِ العُهودِ المُطلَقةِ (٢).

وقالَ ابنُ القَيمِ عن هذه المَرحَلةِ: واللهُ سُبحانَه يَأمرُهم بالصبْرِ والعَفوِ والصَّفحِ حتى قَوِيت الشَّوكةُ واشتَدَّ الجَناحُ فأذِنَ لهم


(١) «تفسير القرطبي» (٢/ ٣٤٧).
(٢) «الجواب الصحيح» (١/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>