للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا إذا كانَتْ لا تَخلطُ ولا تَأكلُ إلا العَذرةَ غالبًا، فإنْ خَلطَتْ فليسَتْ جلَّالةً فلا تُكرهُ؛ لأنها لا تَنتنُ.

ولا يُكرهُ أكلُ الدَّجاجِ المُخلَّى وإنْ كانَ يَتناولُ النَّجاسةَ؛ لأنه لا يَغلبُ عليهِ أكلُ النَّجاسةِ، بل يَخلطُها بغَيرِها وهو الحَبُّ فيَأكلُ ذا وذا.

وقيلَ: إنما لا يَكرهُ لأنه لا يَنتنُ كما يَنتنُ الإبلُ، والحُكمُ مُتعلِّقٌ بالنَّتنِ، ولهذا قالَ أصحابُنا في جَديٍ ارتَضعَ بلَبنِ خِنزيرٍ حتى كَبِرَ: إنه لا يُكرهُ أكلُه؛ لأنَّ لَحمَه لا يَتغيرُ ولا يَنتنُ.

فهذا يَدلُّ على أنَّ الكَراهةَ في الجلَّالةِ لمَكانَ التَّغيرِ والنَّتنِ، لا لتَناولِ النَّجاسةِ، ولهذا إذا خَلطَتْ لا يُكرهُ وإنْ وُجدَ تَناولُ النَّجاسةِ؛ لأنها لا تَنتنُ، فدَلَّ أنَّ العِبرةَ للنَّتنِ لا لتَناولِ النَّجاسةِ.

والأفضَلُ أنْ تُحبَسَ الدَّجاجُ حتَّى يَذهبَ ما في بَطنِها مِنْ النَّجاسةِ؛ لِما رُويَ «أنَّ رَسولَ اللهِ كانَ يَحبسُ الدَّجاجَ ثَلاثةَ أيَّامٍ ثم يَأكلُه»، وذلكَ على طَريقِ التنزُّهِ، وهو رِوايةُ أبي يُوسفَ عن أبي حَنيفةَ عليهِما الرَّحمةُ أنها تُحبَسُ ثَلاثَة أيامٍ، كأنَّه ذهَبَ إلى ذلكَ للخبَرِ ولِما ذكَرْنا أنَّ ما في جَوفِها مِنْ النَّجاسةِ يَزولُ في هذهِ المُدةِ ظاهِرًا وغالِبًا (١).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنه يَجوزُ أكلُ لُحومِ الجلَّالةِ مِنْ غيرِ كَراهةٍ، فيَجوزُ أكلُ لَحمِ الماشِيةِ والطَّيرِ الذي يَتغذَّى بالنَّجاسةِ، واستَدلُّوا على ذلكَ بأنَّ


(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>