للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ بطَّالٍ : واختَلفُوا في سِباعِ الطَّيرِ، فرَوى ابنُ وَهبٍ عن مالِكٍ أنه قالَ: لم أسمَعْ أحَدًا مِنْ أهلِ العِلمِ قَديمًا ولا حَديثًا بأرضِنا يَنهَى عن أكلِ كلِّ ذِي مِخلبٍ مِنْ الطَّيرِ، وقالَ أبو حَنيفةَ والشافِعيُّ: لا يُؤكلُ، ورَوَوا في ذلكَ حَديثَ شُعبةَ عن الحَكمِ عن مَيمونَ بنِ مَهرانَ عن ابنِ عبَّاسٍ عن النبيِّ : «أنه نهَى عن أكلِ كلِّ ذِي نابٍ مِنْ السِّباعِ ومِخلبٍ مِنْ الطيرِ»، ودفَعَ أصحابُ مالِكٍ هذا الحَديثَ وقالُوا: لا يَثبتُ، وقد أوقَفَه جَماعةٌ على ابنِ عبَّاسٍ، ولم يَسمعْه منهُ مَيمونُ، وإنما رَواهُ عن سَعيدِ بنِ جُبيرٍ عنهُ، وقد رُويَ عن ابنِ عبَّاسٍ خِلافُه وما يَدلُّ على أنه ليسَ عن النبيِّ ، وإنما هو قَولٌ لابنِ عبَّاسٍ ثمَّ رجَعَ عنه، وقد رَوى عَمرُو بنُ دِينارٍ عن أبي الشَّعثاءِ عن ابنِ عبَّاسٍ أنه قالَ: «كانَ أهلُ الجَاهليةِ يَأكلونَ أشياءَ ويَتركونَ أشياءَ تَقذُّرًا، فبعَثَ اللهُ نَبيَّه وأنزَلَ كِتابَه وأحَلَّ حَلالَه، وحرَّمَ حَرامَه، وما سكَتَ عنُه -يَعني لم يَنزلْ فيه شَيءٌ- فهو مَعفوٌّ، وتَلا: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] الآيتَينِ، فإنْ صَحَّ حَديثُ النهيِ فيَجوزُ أنْ يكونَ نهَى عنها لأنَّ النفسَ تَعافُها؛ لأكلِها الأنجاسَ في الأغلَبِ، واللهُ أعلَمُ (١).

قالَ أبو عُمرَ ابنُ عبدِ البَرِّ : جائِزٌ عندَ مالِكٍ أكلُ الغُرابِ والحِدَأةِ وكلِّ ذي مِخلبٍ مِنْ الطَّيرِ، ولم يَصحَّ عندَه في ذلكَ النهيُ الذي رُويَ عن النبيِّ .


(١) «شرح صحيح البخاري» (٥/ ٤٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>