للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القولُ الآخَرُ: أنَّ له أن يُصلِّيَ النَّافِلةَ ماشِيًا، وهو قولُ الشافِعيِّةِ وأحمدَ في الرِّوايةِ الثَّانيةِ عنه.

قالَ ابنُ قُدامةَ : والرِّوايةُ الثَّانيةُ له أن يُصلِّيَ ماشيًا، نقلَها مُثَنى ابنُ جامِعٍ وذكرَها القاضِي وغيرُه، وعليه أن يَستقبِلَ القِبلةَ لافتِتاحِ الصَّلاةِ، ثم يَنحرِفَ على جِهَةِ سَيرِه، ويَقرأَ وهوَ ماشٍ ويَركَعَ ثم يَسجُدَ على الأرضِ، وهذا مَذهبُ عَطاءٍ والشافِعيِّ.

وقالَ الآمِديُّ: يُومِئُ بالرُّكوعِ والسُّجودِ كالرَّاكبِ؛ لأنَّها حالةٌ أُبِيحَ فيها تَركُ الاستِقبالِ فلم يَجِب عليه الرُّكوعُ والسُّجودُ، وعلى قولِ القاضِي الرَّكوعُ والسُّجودُ ممكِنانِ من غيرِ انقِطاعِه عن جِهةِ سَيرِهِ، فلزِمه كالواقِفِ، واحتَجوا بأنَّ الصَّلاةَ أُبِيحَت للرَّاكِبِ لئلَّا يَنقطِعَ عن القافِلةِ في السَّفرِ، وهذا المعنَى مَوجودٌ في الماشِي؛ ولأنَّه إحدَى حالَتَي سَيرِ المُسافرِ؛ فأُبِيحَتِ الصَّلاةُ فيها كالآخرةِ.

ثم قالَ: ولنَا -أي: على الرِّوايةِ الأُولَى- أنَّه لم يُنقَل، ولا هو في معنَى المَنقولِ؛ لأنَّه يَحتاجُ إلى عمَلٍ كَثيرٍ ومَشيٍ مُتَتابِعٍ يَقطعُ الصَّلاةَ ويَقتَضِي بُطلانَها، وهذا غيرُ مَوجودٍ في الرَّاكبِ فلم يَصحَّ إلحاقُه به، ولأنَّ قولَه تَعالى: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٤٤] عامٌّ تُرِكَ في مَوضِعِ الإجماعِ بشُروطٍ مَوجودَةٍ ههُنا، فيَبقَى وُجوبُ الاستِقبالِ فيما عداه على مُقتضَى العُمومِ (١).


(١) «المغني» (١/ ٢٦١)، و «الاختيار» (١/ ٩٥)، و «تحفة الفقهاء» (١/ ١٥٥)، و «المجموع» (٣/ ٢١١)، و «إحياء علوم الدين» (٢/ ٢٦٢)، و «روضة الطالبين» (١/ ٢١٣)، و «مُغني المحتاج» (١/ ١٤٤)، و «نهاية المحتاج» (١/ ٤٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>