وكانَ الشعبيُّ وإبراهيمُ النخَعيُّ وعَطاءٌ وطاوسُ والحَسنُ وقَتادةُ كلُّ هؤلاءِ يَقولُ في قَولِه تعالَى: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣]: إذا أطرَفَتْ بعَينَيها أو مصَعَت بذَنبِها -يعنِي: حرَّكَتْه- وضرَبَتْ بهِ أو ركَضَتْ برِجلِها فذَكَّيتَه فقدْ أحَلَّ اللهُ لكَ ذلكَ، وذكَرَه عن أصحابِه، وهو قَولُ أبي هُريرةَ وابنِ عبَّاسٍ، وإليهِ ذهَبَ ابنُ حَبيبٍ وذكَرَه عن أصحابِ مالكٍ.
ورَوى ابنُ عُيينةَ وشَريكٌ وجَريرٌ عن الرُّكينِ بنِ الرَّبيعِ عن أبي طَلحةَ الأسديِّ قالَ: سَألتُ ابنَ عبَّاسٍ عن ذِئبٍ عَدَا على شاةٍ فشَقَّ بَطنَها حتَّى انتَثرَ فسقَطَ منه شَيءٌ إلى الأرضِ فقالَ: «كُلْ، وما انتَثرَ مِنْ بَطنِها فلا تَأكلْ»(١).
وقالَ الإمامُ الطَّحاويُّ ﵀: قالَ أصحابُنا في الأصلِ: المُتردِّيةُ إذا أدرَكَ ذَكاتَها قبلَ أنْ تَموتَ أُكلَتْ، وكذلكَ النَّطيحةُ والمَوقوذةُ، وكذلكَ ما أكَلَ السَّبعُ.
وعن أبي يُوسفَ في «الإِملَاء» أنه إذا بلَغَ به ذلكَ حَالًا لا يَعيشُ مِنْ مِثلِها لم يُؤكلْ وإنْ ذَكَّى قبلَ المَوتِ.
وذكَرَ ابنُ سَماعةَ عن مُحمدٍ أنه إنْ كانَ يَعيشُ منه اليَومِ ونَحوِه أو دُونَه فذَكَّاها حلَّتْ، وإنْ كانَ لا يَبقَى إلا كبَقاءِ المَذبوحِ لم يُؤكلْ وإنْ ذُبحَ، واحتَجَّ بأنَّ عُمرَ ﵁ كانَتْ جِراحتُه مُتلِفةً وصَحَّتْ عُهودُه أوامِرُه، ولو قتَلَه قاتلٌ في ذلكَ الوَقتِ كانَ عليهِ القوَدُ.
(١) «الاستذكار» (٥/ ٢٥٣، ٢٥٤)، و «التمهيد» (٥/ ١٤٩، ١٥٠).