ورَوى أبو العُشَراءِ الدارِميُّ عن أبيه أنه سألَ رَسولَ اللهِ ﷺ عن المُتردِّيةِ مِنْ الإبلِ في بئرٍ لا نَصِلُ إلى مَنحرِها، فقالَ:«وأبيكَ لو طَعنْتَ في فَخذِها أجزَأكَ»، فعلَّقَ الإجزاءَ بالعُقودِ دُونَ التَّسميةِ، فدلَّ على الإباحةِ.
ولأنَّ ما يُوجدُ فيه فِعلُ الذَّكاةِ لم تَحرمْ بتَركِ التَّسميةِ كالناسِي، ولأنَّ ما لم تَحرمْ به ذَكاةُ الناسِي لم تَحرمْ به ذَكاةُ العامِدِ كالأخرَسِ، ولأنَّ ما لم يَكنْ للذِّكرِ شَرطٌ في انتِهائِه لم يَكنْ شَرطًا في ابتِدائِه كالطَّهارةِ طَردًا والصَّلاةِ عَكسًا، ولأنَّ ما لم يَكنْ شَرطًا في الذَّكاةِ مع النِّسيانِ لم يَكنْ شَرطًا فيها مع الذِّكرِ كالصَّلاةِ على النبيِّ، ولأنَّ الحُوتَ يُستباحُ بتارِكِها كما يَحلُّ الصَّيدُ بذَكاتِه، فلمَّا لم تَكنِ التَّسميةُ شَرطًا في استِباحةِ الحُوتِ لم تَكنْ شَرطًا في استِباحةِ غيرِه.
فأما الجَوابُ عن الآيةِ فمِن وَجهينِ:
أحَدُهما: أنه حَقيقةُ الذِّكرِ بالقَلبِ؛ لأنَّ ضِدَّه النِّسيانُ المُضافُ إلى القَلبِ، فيَكونُ مَحمولًا على مَنْ لم يُوحِّدِ اللهَ مِنْ عَبدةِ الأوثانِ، ألَا ترَى إلى قَولِه تعالَى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ [الأنعام: ١٢١]، والمُشرِكونَ هم أولياءُ الشَّياطينِ دُونِ المُسلمينَ.
والثاني: مَحمولٌ على المَيتةِ؛ لأمرَينِ:
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (٧٨٥١).