للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرطِ الذكاةِ؛ لأنه حُرمةُ أهلِها بها، وبعَكسِه لمَّا لم تَكنِ التسميةُ شَرطًا في صَيدِ السَّمكِ لم تَكنْ مِنْ شَرطِ صائدِه أنْ يكونَ مِنْ أهلِ التَّسميةِ مِنْ مَجوسيٍّ ووَثنيٍّ كما حَلَّ صَيدُ مَنْ كانَ مِنْ أهلِها مِنْ مُسلمٍ وكِتابيٍّ.

ودَليلُنا: قَولُ اللهِ تعالَى: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣]، فكانَ على عُمومِه، وإنْ قيلَ: «فالتَّسميةُ هي الذَّكاةُ» كانَ فاسِدًا مِنْ وَجهينِ:

أحَدُهما: أنَّ التَّسميةَ قَولٌ والذَّكاةَ فِعلٌ، فافتَرقَا.

والثَّاني: أنَّ النبيَّ سُئلَ عن الذَّكاةِ فقالَ: «في الحَلقِ واللَّبةِ»، وقالَ تعالَى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٥]، يَعني: ذَبائحَهم، والظاهِرُ الغالِبُ مِنْ أحوالِهم أنهُم لا يُسمُّونَ عليهَا، فدَلَّ على إباحتِها.

ورَوى البَراءُ بنُ عازِبٍ عن النبيِّ أنه قالَ: «المُسلمُ يَذبحُ على اسمِ اللهِ، سمَّى أو لم يُسَمِّ» (١).


(١) قالَ الإمامُ الزيلعيُّ في «نَصب الرَّايةِ» (٤/ ١٨٢): غَريبٌ بهذا اللَّفظِ، وفي معناهُ أحادِيثُ، منها ما أخرَجَه الدارَقطنيُّ ثمَّ البَيهقيُّ عن مُحمدِ بنِ يَزيدَ بنِ سِنانٍ عن مَعقلِ ابنِ عُبيدِ اللهِ الجَزريِ عن عَمرِو بنِ دِينارٍ عن عِكرمةَ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّ النبيَّ قالَ: «المُسلمُ يَكفيهِ اسمُه، فإنْ نَسيَ أنْ يُسميَ حينَ يَذبحُ فليُسَمِّ وليُذكِرِ اسمَ اللهِ ثم ليَأكلْ» انتهى، قالَ ابنُ القطَّانِ في كِتابِه: ليسَ في هذا الإسنادِ مَنْ يُتكلَّمُ فيه غيرُ مُحمدِ بنِ يَزيدِ بنِ سِنانٍ، وكانَ صَدوقًا صالِحًا، لكنَّه كانَ شَديدَ الغَفلةِ. انتهى، وقالَ غيرُه: مَعقلُ بنُ عُبيدِ اللهِ وإنْ كانَ مِنْ رِجالِ مُسلمٍ لكنَّه أخطَأَ في رَفعِ هذا الحَديثِ، وقد رَواهُ سعيدُ بنُ مَنصورٍ وعبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ الحُميديِّ عن سُفيانَ بنِ عُيينةَ عن عَمرِو بنِ أبي الشَّعثاءِ عن عِكرمةَ عن ابنِ عبَّاسٍ.
قولُه: ذكَرَه البَيهقيُّ وغيرُه فزادَا في إسنِادِه أبا الشَّعثاءِ ووقَفَا، واللهُ أعلَمُ، وقالَ ابنُ الجَوزيِّ في «التَّحقِيق»: مَعقلٌ هذا مَجهولٌ، وتَعقَّبَه صاحبُ «التَّنقيح» فقالَ: بل هو مَشهورٌ، وهو ابنُ عُبيدِ اللهِ الجَزريِ، أخرَجَ له مُسلمٌ في صَحيحِه، واختَلفَ قولُ ابنِ مَعينٍ فيه، فمرَّةً وثَّقَه ومَرةً ضعَّفَه، وقد ذكَرَه ابنُ الجَوزيِّ في الضُّعفاءِ فقالَ: مَعقلُ بنُ عُبيدِ اللهِ الجَزريُّ يَروي عن عَمرِو بنِ دينارٍ، قالَ يَحيى: ضَعيفٌ، لم يَزِدْ على هذا، ومُحمدُ بنُ يَزيدَ بنِ سِنانٍ الجَزريِّ هو ابنُ أبي فَروةَ الرَّهاويِّ، قالَ أبو داودَ: ليسَ بشَيءٍ، وقالَ النسائيُّ: ليسَ بالقَويِّ، وقالَ الدارقَطنيُّ: ضَعيفٌ، وذكَرَه ابنُ حيَّانٍ في الثِّقاتِ، والصَّحيحُ أنَّ هذا الحَديثَ مَوقوفٌ على ابنِ عبَّاسٍ، هكذا رواهُ سُفيانُ عن عَمرِو بنِ دينارٍ عن جابرِ بنِ زَيدٍ عن عِكرمةَ عن ابنِ عبَّاسٍ. انتهَى كلامُه، قلتُ: أخرَجَه كذلكَ عبدُ الرزاقِ في مُصنِّفِه في الحجِّ: حدَّثَنا ابنُ عُيينةَ عن عمرِو بنِ دينارٍ عن أبي الشَّعثاءِ حدَّثَنا عَينٌ -يعني عِكرمةَ- عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: «إنَّ في المُسلمِ اسمَ اللهِ، فإنْ ذبَحَ ونسيَ أنْ يَذكرَ اسمَ اللهِ فليَأكلْ، وإنْ ذبَحَ المَجوسيُّ وذكَرَ اسمَ اللهِ فلا تَأكلْ». انتَهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>