للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهُم مَنْ لم يَستَحبَّ ذلك، وقالَ: كمَا يَجوزُ له أن يَكونَ في سائرِ صَلاتِه إلى غيرِ القِبلةِ عامِدًا وهو عالِمٌ بذلك، فكَذلكَ افتِتاحُه لها، وإلى هذا ذَهب مالِكٌ وأصحابُه. وذَهب الشافِعيُّ وأحمدُ بنُ حَنبَلٍ وأبو ثَورٍ إلى القولِ الأوَّلِ، واحتَجَّ بَعضُهم بحَديثِ أنَسٍ السابقِ.

وقالَ أحمدُ بنُ حَنبَلٍ وأبو ثَورٍ: هَكذا يَنبَغِي لِمَنْ يَتنفَّلُ على راحِلَتِه في السَّفرِ.

وكانَ عَبد اللهِ بنُ عمرَ يَقولُ في قولِه تَعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥]. إنَّها نزلَت في صَلاةِ رَسولِ اللهِ في سَفرِه التَّطوُّعَ على الرَّاحِلةِ، وهوَ تَأويلٌ حَسَنٌ تُعَضِّدُه السُّنةُ (١).

وما ذكرَه ابنُ عَبد البرِّ عن الشافِعيِّ وأحمدَ هو إحدَى الرِّوايَتَينِ عنهُما كمَا تَقدَّم، إلَّا أنَّ هناكَ تَفصيلًا عندَهم.

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : وحاصِلُ ما ذكرَهُ الأصحابُ أنَّ المُتنفِّلَ الرَّاكبَ في السَّفرِ إذا لم يُمكِنه الرُّكوعُ والسُّجودُ والاستِقبالُ في جَميعِ صَلاتِه بأن كانَ على سَرجٍ وَقَتبٍ ونحوِهِما، ففي وُجوبِ استِقبالِه القِبلةَ عندَ الإحرامِ أربَعةُ أوجُهٍ:

أصحُّها: إن سَهلَ وجبَ، وإلَّا فلا، فالسَّهلُ أن تَكونَ الدَّابَّةُ واقِفةً وأمكَنَ انحِرافُه عليها أو تَحريفُها، أو كانَت سائِرةً وبيَدِه زِمامُها؛ فهيَ سَهلةٌ. وغيرُ السَّهلةِ أن تَكونَ مُقَطَّرةً أو صَعبةً.


(١) «الاستذكار» (٢/ ٢٥٥، ٢٥٦)، و «التَّمهيد» (١٧/ ٧٢)، و «المدوَّنة» (١/ ٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>