للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكَرَ الطَّحاويُّ أنَّ هذا إجماعٌ قَديمٌ، واحتَجَّ بذلكَ في هذهِ المَسألةِ على مَنْ لا يُقَرُّ الرجلُ في دِينِهم بعدَ النَّسخِ والتَّبديلِ كمَن هو في زَمانِنا إذا انتَقلَ إلى دِينِ أهلِ الكِتابِ فإنه تُؤكلُ ذَبيحتُه وتُنكَحُ نِساؤُه، وهذا يُبيِّنُ خطَأَ مَنْ يُناقِضُ منهُم، وأصحابُ هذا القَولِ الذي هو قَولُ الجُمهورِ يَقولونَ: مَنْ دخَلَ هو أو أبَواهُ أو جَدُّه فى دِينِهم بعدَ النسخِ والتبديلِ أُقِرَّ بالجِزيةِ، سَواءٌ دخَلَ في زَمانِنا هذا أو قبلَه، وأصحابُ القَولِ الآخَرِ يَقولونَ: متَى عَلِمْنا أنه لم يَدخلْ إلا بعدَ النَّسخِ والتبديلِ لم تُقبلْ منه الجِزيةُ، كما يَقولُه بعضُ أصحابِ أحمَدَ مع أصحابِ الشافِعيِّ، والصَّوابُ قَولُ الجُمهورِ، والدَّليلُ عليهِ وُجوهٌ، (ثمَّ ذكَرَها .

ثمَّ قالَ: وهذهِ الوُجوهُ كلُّها لبَيانِ رُجحانِ القَولِ بالتَّحليلِ وأنه مُقتضَى الدليلِ.

فأما أنَّ مِثلَ هذهِ المَسألةِ أو نَحوَها مِنْ مَسائلِ الاجتِهادِ يَجوزُ لمَن تَمسَّكَ فيها بأحَدِ القَولينِ أنْ يُنكِرَ على الآخَرِ بغَيرِ حُجةٍ ودَليلٍ فهذا خِلافُ إجماعِ المُسلمينَ، فقدْ تَنازعَ المُسلمونَ في جُبْنِ المَجوسِ والمُشركينَ، وليسَ لمَن رجَّحَ أحَدَ القَولينِ أنْ يُنكِرَ على صاحِبِ القَولِ الآخَرِ إلا بحُجةٍ شَرعيةٍ، وكذلكَ تنازَعوا في مَتروكِ التَّسميةِ، وفي ذَبائحِ أهلِ الكِتابِ إذا سَمَّوا عليهَا غيرَ اللهِ، وفي شَحمِ الثَّرْبِ والكُلْيتَينِ، وذَبحِهم لذَواتِ الظُّفرِ كالإبلِ والبَطِّ ونحوِ ذلكَ ممَّا حرَّمَه اللهُ عليهِم، وتَنازَعوا في ذَبحِ الكِتابيِّ للضَّحايا ونحوِ ذلكَ مِنْ المَسائلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>