للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ مُفلِحٍ في المُبدِعِ: وإن أمكَنَه (أي: الرَّاكبُ) افتِتاحُ الصَّلاةِ (أي: بالإحرامِ) إلى القِبلةِ بالدَّابَّةِ أو بنَفسِه، كراكِبِ راحِلةٍ مُنفرِدةٍ تُطيعُه، فهَل يَلزمُه ذلكَ؟ على رِوايتَينِ:

إحداهُما: يَلزمُه بلا مَشقَّةٍ، جزمَ به في الوَجيزِ، ونقلَه واختَارَه الأكثرُ، وذكرَه أبُو المَعالي؛ لمَا رَوى أنَسٌ : «أنَّ النَّبيَّ كانَ إذا سَافَر فأرَادَ أَنْ يَتطوَّعَ استَقبَلَ بِنَاقَتِه القِبلَةَ، فَكبَّر ثم صلَّى حيثُ وَجَّهَهُ رِكابُه»، رَوَاه أحمدُ وأبو داودَ (١). وهذا لَفظُه، وهو حَديثٌ حَسَنٌ، ولأنَّه أمكَنَه ابتِداءُ الصَّلاةِ إلى القِبلةِ، فلزِمه، وكراكِبِ السَّفينةِ.

والأُخرى: لا يَلزمُه، اختارَه أبو بَكرٍ ورجَّحه في المُغنِي وغيرِه؛ لمَا فيه مِنْ المَشقَّةِ؛ ولحَديثِ ابنِ عمرَ، ولأنَّه جُزءٌ مِنْ الصَّلاةِ أشبَهَ سائِرَها ويُحمَلُ الخَبرُ الأوَّلُ على الاستِحبابِ (٢).

وقالَ الإمامُ أحمدُ : إذا تطوَّعَ الرَّجلُ على راحِلَتِه يُعجِبُنِي أن يَستقبِلَ القِبلةَ بالتَّكبيرِ على حَديثِ أنَسٍ (٣).

القولُ الآخَرُ: أنَّه لا يجبُ استِقبالُ القِبلةِ لِمَنْ تنَفَّلَ على راحِلَتِه وإنَّما يُستحبُّ، وهو قولُ الحَنفيَّةِ والمالِكيَّةِ والشافِعيِّ وأحمدَ في إحدى الرِّوايَتَينِ عنهما.


(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه أبو داود (١٢٢٥).
(٢) «المُبدِع» (١/ ٤٠٢)، و «المغني» (١/ ٢٦٠).
(٣) «مسائل أبي داود» (١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>