نَصارَى بَني تَغلبَ، وهي الرِّوايةُ التي اختارَها هَؤلاءِ، فأما إذا جعَلَ الرِّوايتيِن في بَني تَغلبَ دونَ غيرِهم مِنْ العَربِ، أو قيلَ:«إنَّ النِّزاعَ عامٌّ» وفَرَّعْنا على القَولِ بحِلِّ ذَبائحِ بَني تَغلبَ ونِسائِهم كما هو قَولُ الأكثَرينَ فإنه على هذهِ الرِّوايةِ لا عِبرةَ بالنَّسبِ، بل لو كانَ الأبَوانِ جَميعًا مَجوسيَّينِ أو وَثنيَّينِ والولدُ مِنْ أهلِ الكِتابِ فحُكمُه حُكمُ أهلِ الكِتابِ على هذا القَولِ بلا رَيبٍ، كما صرَّحَ بذلكَ الفُقهاءُ مِنْ أصحابِ أحمَدَ وأبي حَنيفةَ وغيرِهم، ومَن ظَنَّ مِنْ أصحابِ أحمَدَ وغيرِهم أنَّ تَحريمَ نِكاحِ مَنْ أبَواهُ مَجوسيانِ أو أحَدُهما مَجوسيٌّ قَولٌ واحِدٌ في مَذهبِه فهو مُخطئٌ خَطأً لا رَيبَ فيهِ؛ لأنه لم يُعرَفْ أصلُ النِّزاعِ في هذهِ المَسألةِ.
ولهذا كانَ مِنْ هَؤلاءِ مَنْ يَتناقضُ، فيُجوِّزُ أنْ يُقَرَّ بالجِزيةِ مَنْ دخَلَ في دِينِهم بعدَ النَّسخِ والتَّبديلِ، ويَقولُ معَ هذا بتَحريمِ نكاحِ نَصرانِيِّ العَربِ مُطلَقًا ومَن كانَ أحَدُ أبوَيهِ غيرَ كتابيٍّ كما فعَلَ ذلكَ طائِفةٌ مِنْ أصحابِ أحمَدَ، وهذا تَناقضٌ، والقاضي أبو يَعلى وإنْ كانَ قد قالَ هذا القَولَ هوَ وطائفةٌ مِنْ أتباعِه فقدْ رجَعَ عن هذا القَولِ فى «الجامِع الكَبِير» وهوَ آخِرُ كُتبِه، فذكَرَ فيمَن انتَقلَ إلى دِينِ أهلِ الكِتابِ مِنْ عَبدةِ الأوثانِ كالرُّومِ وقَبائلَ مِنْ العَربِ -وهُم تَنوخُ وبَهراءُ ومِن بَني تَغلبَ- هل تَجوزُ مُناكَحتُهم وأكلُ ذَبائحِهم؟ وذكَرَ أنَّ المَنصوصَ عن أحمَدَ أنه لا بأسَ بنكاحِ نَصارَى بَني تَغلبَ، وأنَّ الرِّوايةَ الأخرَى مُخرَّجةٌ على الرِّوايتينِ عنه في ذَبائحِهم، واختارَ أنَّ المُنتقِلَ إلى دِينِهم حُكمُه حُكمُهم، سَواءٌ كانَ انتِقالُه