وقالَ أيضًا: وأمَّا المَحلُّ فالحَلقُّ واللَّبةُ، وهي الوَهدةُ التي بينَ أصلِ العُنقِ والصَّدرِ، ولا يَجوزُ الذَّبحُ في غَيرِ هذا المَحلِّ بالإجماعِ، وقد رُويَ في حَديثٍ عن النبيِّ ﷺ أنه قالَ:«الذَّكاةُ في الحَلقِ واللَّبةِ»، قالَ أحمَدُ: الذَّكاةُ في الحَلقِ واللَّبةِ، واحتَجَّ بحَديثِ عُمرَ، وهو ما رَوى سَعيدٌ والأثرَمُ بإسنادِهِما عن الفُرافِصةِ قالَ: كُنَّا عندَ عُمرَ فنادَى أنَّ النَّحرَ في اللَّبةِ والحَلقِ لمَن قدَرَ، وإنَّما نرَى أنَّ الذَّكاةَ اختَصَّتْ بهذا المَحلِّ لأنه مَجمَعُ العُروقِ، فتَنفسخُ بالذَّبحِ فيهِ الدِّماءُ السيَّالةُ، ويَسرعُ زُهوقُ النَّفسِ، فيَكونُ أطيَبَ للَّحمِ وأخَفَّ على الحيَوانِ، قالَ أحمَدُ: لو كانَ حَديثُ أبي العُشَراءِ حَديثًا -يَعني ما روَى أبو العُشراءِ عن أبيهِ عن النبيِّ ﷺ أنه سُئلَ: أمَا تَكونُ الذَّكاةُ إلا في الحَلقِ واللَّبةِ؟ فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ:«لو طعَنْتَ في فَخذِها لَأجزَأَ عنكَ» - قالَ أحمَدُ: أبو العُشراءِ هذا ليسَ بمَعروفٍ (١).
ولأنَّ الحُرمةَ في الحَيوانِ المَأكولِ لمَكانَ الدمِ المَسفوحِ، وأنه لا يَزولُ إلا بالذَّبحِ والنَّحرِ، ولأنَّ الشَّرعَ إنما ورَدَ بإحلالِ الطيِّباتِ، قالَ اللهُ ﵎: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ [المائدة: ٤]، وقالَ ﷾: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧]، ولا يَطيبُ إلا بخُروجِ الدمِ المَسفوحِ، وذلكَ بالذبحِ والنَّحرِ، ولهذا حُرِّمَتِ المَيتةُ؛ لأنَّ المُحرَّمَ -وهو الدمُ المَسفوحُ فيها- قائِمٌ، ولذا لا يَطيبُ مع