مَسألةٌ: قالَ: (فإنْ لم يَكنْ معَه ما يُذكِّيهِ به أَشْلَى الصَّائدُ له عَليهِ حتَّى يَقتلَه فيُؤكَلَ).
يَعني: أغرَى الكَلبَ به وأرسَلَه عليهِ، ومَعنَى أَشْلَى في العَربيةِ: دعَا، إلَّا أنَّ العامَّةَ تَستعملُه بمَعنَى: أغراهُ، ويَحتملُ أنَّ الخِرقيَّ أرادَ: دَعاهُ ثمَّ أرسَلَه؛ لأنَّ إرسالَه على الصَّيدِ يَتضمَّنُ دُعاءَه إليهِ، واختَلفَ قَولُ أحمَدَ في هذهِ المَسألةِ، فعَنهُ مِثلُ قولِ الخِرقيِّ، وهو قَولُ الحَسنِ وإبراهِيمَ، وقالَ في مَوضعٍ: إني لَأقشَعِرُّ مِنْ هذا، يَعني أنه لا يَراهُ، وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ؛ لأنه مَقدورٌ عليهِ، فلمْ يُبَحْ بقَتلِ الجارحِ له كبَهيمةِ الأنعامِ، وكما لو أخَذَه سَليمًا.
ووَجهُ الأُولى أنه صَيدٌ قتَلَه الجارحُ له مِنْ غَيرِ إمكانِ ذَكاتِه، فأُبيحَ كما لو أدرَكَه مَيتًا، ولأنها حالٌ تَتعذَّرُ فيها الذَّكاةُ في الحَلقِ واللَّبةِ غالبًا، فجازَ أنْ تَكونَ ذَكاتُه على حَسبِ الإمكانِ كالمُتَردِّيةِ في بِئرٍ، وحُكيَ عن القاضِي أنه قالَ في هذا: يَتركُه حتَّى يَموتَ فيَحلَّ؛ لأنه صَيدٌ تَعذَّرتْ تَذكيتُه، فأُبيحَ بمَوتِه مِنْ عَقرِ الصَّائدِ له، كالذي تَعذَّرتْ تَذكيتُه لقِلَّةِ لَبتِه، والأولُ أصَحُّ؛ لأنه حَيوانٌ لا يُباحُ بغيرِ التَّذكيةِ إذا كانَ معه آلةُ الذَّكاةِ، فلمْ يُبَحْ بغَيرِها إذا لم يَكنْ معه آلةٌ كسائرِ المَقدورِ على تَذكيتِه، ومَسألةُ الخِرقيِّ مَحمولةٌ على ما يُخافُ مَوتُه إنْ لم يَقتلْه الحَيوانُ أو يُذكَّى، فإنْ كانَ به حياةٌ يُمكِنُ بَقاؤُه إلى أنْ يَأتِيَ به مَنزلَه فليسَ فيه اختِلافٌ أنه لا يُباحُ إلا بالذَّكاةِ؛ لأنه مَقدورٌ على تَذكيتِه (١).
(١) «المغني» (٩/ ٢٩٨، ٢٩٩)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٢٣٩).