للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمَّا رَأَوا ابنَ عُمرَ تَفرَّقوا عنها، فقالَ ابنُ عُمرَ: مَنْ فعَلَ هذا؟ إنَّ رَسولَ اللهِ لعَنَ مَنْ فعَلَ هذا» (١).

قالَ أبو عُمرَ ابنُ عبدِ البَرِّ : وحرَّمَ رَسولُ اللهِ التَّمثيلَ بالبَهائمِ، ونهَى أنْ يَتخذَ شيئًا فيه الرُّوحُ غرَضًا، ونهَى أنْ تُصبَرَ البَهائمُ، وذلكَ فيما يَجوزُ أكلُه وفيما لا يَجوزُ، وإجماعُ العُلماءِ المُسلمينَ على ذلكَ، وقالَ : «مَنْ قتَلَ عُصفورًا بغَيرِ حقِّه عُذِّبَ به يومَ القيامةِ، قيلَ: وما حَقُّه يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: يَذبحُه ولا يَقطعُ رَأسَه فيَرمِي به».

وفي هذا كُلِّه دَليلٌ واضِحٌ أنَّ ما يَحلُّ أكلُه لا يَجوزُ قَتلُه؛ لِما فيه مِنْ الفَسادِ وإضاعةِ المالِ، واللهُ قد نهَى عن الفَسادِ وأخبَرَ أنه لا يُحبُّه، وقد نهَى عن إضاعةِ المالِ، وكلُّ مَقدورٍ عليهِ ذَكاتُه الذبحُ، وكلُّ مُمتنِعٍ مِنْ الصَّيدِ ذَكاتُه الحَديدُ حيثُ أدرَكَتْ منه، مع سُنةِ التَّسميةِ في ذلكَ (٢).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : قالَ العُلماءُ: صَبْرُ البَهائمِ أنْ تُحبَسَ وهي حَيةٌ لتُقتلَ بالرَّميِ ونحوِه، وهو معنَى: «لا تَتخِذوا شَيئًا فيهِ الرُّوحُ غَرضًا»، أي: لا تَتخِذوا الحيَوانَ الحَيَّ غَرضًا تَرمونَ إليهِ كالغَرضِ مِنْ الجُلودِ وغيرِها، وهذا النهيُ للتَّحريمِ، ولهذا قالَ في رِوايةِ ابنِ عُمرَ التي بعدَ هذهِ: «لعَنَ اللهُ مَنْ فعَلَ هذا»، ولأنه تَعذيبٌ للحيَوانِ وإتلافٌ لنَفسِه وتَضييعٌ لماليَّتِه وتَفويتٌ لذَكاتِه إنْ كانَ مُذكًّى، ولمَنفعتِه إنْ لم يَكنْ مُذكًّى (٣).


(١) أخرجه مسلم (١٩٥٨).
(٢) «الاستذكار» (٤/ ١٥٧).
(٣) «شرح صحيح مسلم» (١٣/ ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>