فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّ هذهِ النَّفقةَ تَجبُ على وَجهٍ لا تَصيرُ دَينًا في الذِّمةِ أصلًا؛ سَواءٌ فرَضَها القاضِي أو لا، بخِلافِ نَفقةِ الزَّوجاتِ، فإنها تَصيرُ دَينًا في الذِّمةِ بفَرضِ القاضِي أو بالتَّراضي، حتى لو فرَضَ القاضِي للقَريبِ نَفقةَ شَهرٍ فمَضَى الشهرُ ولم يَأخذْ ليسَ له أنْ يُطالبَه بها، بل تَسقطُ.
والمُسقِطُ لها بعدَ الوُجوبِ هو مُضيُّ الزَّمانِ مِنْ غيرِ قَبضٍ ولا استِدانةٍ، حتى لو فرَضَ القاضِي نَفقةَ شَهرٍ للقَريبِ فلَم يَقبضْ ولا استَدانَ عليه حتَّى مضَتِ المدَّةُ سقَطَتِ النَّفقةُ؛ لأنَّ هذهِ النَّفقةَ تَجبُ صِلةً مَحضةً، فلا يَتأكَّدُ وُجوبُها إلا بالقَبضِ أو ما يَقومُ مَقامَه (١).
وذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ نَفقةَ القَريبِ إذا وجَبَتْ بقَضاءِ القاضِي فإنها لا تَسقطُ ويَرجعُ بها عليهِ.
قالَ المالِكيةُ: النَّفقةُ إنْ كانَ قد حكَمَ بها حاكِمٌ بأنْ تَجمَّدتْ في الماضِي فرفَعَ مُستحِقُّها لحاكِمٍ لا يَرَى السُّقوطَ بمُضيِّ الزَّمنِ فحكَمَ بلُزومِها فإنها لا تَسقطُ عن المُوسرِ بمُضيِّ الزَّمنِ؛ لأنها صارَتْ بقَضيةِ الحاكمِ كالدَّينِ، وليسَ المُرادُ أنه فرَضَها وقدَّرَها في الزَّمنِ المُستقبَلِ؛ لأنَّ حُكمَ الحاكِمِ لا يَدخلُ في المُستقبلاتِ؛ إذ لا يَجوزُ للحاكِمِ أنْ يَفرضَ شَيئًا واحِدًا على الدَّوامِ قبلَ وَقتِه؛ لأنه يَختلفُ باختِلافِ الأوقاتِ.
وكذلكَ لا تَسقطُ النَّفقةُ عن المُوسرِ منهُما -أي مِنْ الأبِ أو الابنِ- إذا أنفَقَ عليهِ شَخصٌ غيرَ مُتبرعٍ قاصِدًا الرُّجوعَ على مَنْ وجَبَتْ عليهِ؛ لأنه قامَ