للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ القاضي حُسَينٌ وصاحِبٌ «التَّهذيبِ» من الشافِعيَّةِ: يَتوَسَّطُ بينَ الجَهرِ والإِسرارِ، هذا إذا لم يُشوِّش على نائِمٍ أو مُصَلٍّ أو نحوِه، وإلا فالسُّنَّةُ الإسرارُ (١).

أمَّا الحَنفيَّةُ فقالوا: إن المُتنَفِّلَ المُنفرِدَ يَتخيَّرُ بينَ الجَهرِ والإخفاءِ في نَفلِ اللَّيلِ؛ لأنَّ النَّوافِلَ أتباعُ الفَرائِضِ؛ لكَونِها مُكمِّلاتٍ لها فيُخيَّرُ فيها كما يُخيَّرُ في الفَرائِضِ. وإن كانَ إمامًا جهرَ؛ لمَا ذُكر مِنْ أنَّها أتباعُ الفَرائِضِ، ولهذا يُخفِي في نَوافِلِ النَّهارِ، ولو كانَ إمامًا.

ثم اختَلَفوا في حَدِّ الجَهرِ والإخفاءِ؛ فقالَ الهِندوانيُّ: الجَهرُ أن يُسمِعَ غيرَه، والمُخافَتَةُ أن يُسمِعَ نَفسَه، وقالَ الكَرخِيُّ: الجَهرُ أن يُسمِعَ نَفسَه تَصحيحَ الحُروفِ؛ لأنَّ القِراءةَ فِعلُ اللِّسانِ دونَ الصِّماخِ.

قالَ الزَّيلَعيُّ : والأَوَّلُ أصحُّ؛ لأنَّ مُجرَّدَ حَركةِ اللِّسانِ لا تُسَمَّى قِراءةً بدُونِ الصَّوتِ (٢).

وقالَ الحَنابِلةُ: إنَّ المُتطوِّعَ لَيلًا يُراعِي المَصلَحةَ، فإن كانَ الجَهرُ أنشَطَ في القِراءةِ أو بحَضرَتِه مَنْ يَستَمِعُ قِراءَتَه أو يَنتَفِعُ بها؛ فالجَهرُ أفضَلُ؛ لمَا يَترتَّبُ عليه من هذه المَصالِحِ. وإن كانَ بقُربِه مَنْ يَتهجَّدُ أو يَستَضِرُّ برَفعِ صَوتِه من نائِمٍ أو غيرِه، أو خافَ رِياءً فالإسرارُ أفضَلُ؛ دَفعًا لتلك المَفسَدَةِ (٣).


(١) «المجموع» (٣/ ٣٤٥)، و «روضة الطالبين» (١/ ٢٤٨)، و «مغني المحتاج» (١/ ١٦٢).
(٢) «مَجمَع الأنهُر» (٢/ ١٥٦)، و «تبيين الحقائق» (١/ ١٢٧).
(٣) «كشَّاف القناع» (١/ ٣٤٤، ٤٤٥)، و «مطالب أولي النُّهى» (١/ ٥٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>