لكنْ إذا دخَلَتْ على أنَّ زوْجَها مِنْ السؤَّالِ ثمَّ بعدَ الدُّخولِ بها ترَكَه فإنه يَثبتُ لها حَقُّ الفَسخِ، وكَذلكَ يَثبتُ لها حَقُّ الفَسخِ إذا كانَ زَوجُها ليسَ مِنْ السؤَّال، إلا أنه كانَ مَشهورًا بالعَطاءِ -أي يَقصدُه الناسُ بالعَطاءِ- ودخَلَتْ عالِمةً بذلكَ ثمَّ انقَطعَ العَطاءُ عنه فلَها الفَسخُ (١).
وذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ والمالِكيةُ في مُقابلِ المَشهورِ إلى أنَّ الزَّوجةَ إنْ رَضيَتْ بالمُقامِ معَه مع عُسرتِه أو تَركِ إنفاقِه في المُستقبَلِ ثم بدَا لها الفَسخُ، أو تَزوَّجتْ مُعسرًا عالِمةً بحالِه راضِيةً بعُسرتِه وتَركِ إنفاقِه أو شرَطَ عليها أنْ لا يُنفقَ عليها ثم عَنَّ لها الفَسخُ فلَها ذلكَ؛ لأنَّ وُجوبَ النَّفقةِ يَتجددُ في كلِّ يَومٍ، فيَتجددُ لها الفَسخُ، ولا يَصحُّ إسقاطُ حقِّها فيما لم يَجبْ لها، كإسقاطِ شُفعتِها قبلَ البَيعِ، ولذلكَ لو أسقَطَتِ النَّفقةَ المُستقبلةَ لم تَسقطْ ولو أسقَطَتْها، أو أسقَطَتِ المَهرَ قبلَ النكاحِ لم يَسقطْ، وإذا لم يَسقطْ وُجوبُها لم يَسقطِ الفَسخُ الثابتُ به.
ولا أثرَ لقَولِها:«رَضيتُ بإعسارِه أبدًا»؛ لأنه وَعدٌ لا يَلزمُ الوفاءُ بهِ.
وإذا رَضيَتْ بالمُقامِ مع ذلكَ لم يَلزمْها التَّمكينُ مِنْ الاستِمتاعِ؛ لأنه لم يُسلَّمْ إليها عِوضُه، فلَم يَلزمْها تَسليمُه كما لو أعسَرَ المُشتَري بثَمنِ المَبيعِ لم يَجبْ تَسليمُه إليهِ، وعليهِ تَخليةُ سَبيلِها لتَكتسبَ لها وتُحصِّلَ ما تُنفقُه على نَفسِها؛ لأنَّ في حَبسِها بغيرِ نَفقةٍ إضرارًا بها، ولو كانَتْ مُوسرةً لم يَكنْ له
(١) «التاج والإكليل» (٣/ ٢٤٥، ٢٤٦)، و «شرح مختصر خليل» (٤/ ١٩٧)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ٤٩٤، ٤٩٥)، و «تحبير المختصر» (٣/ ٤٢١).