للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَأخذُه أو لم يَقدرْ على أخذِ النَّفقةِ مِنْ مالِ الغائبِ فلَها الخِيارُ في الفَسخِ؛ لِما رَواهُ نافعٍ عن ابن عُمرَ «أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ كتَبَ إلى أُمراءِ الأجنادِ في رِجالٍ غابوا عن نِسائِهم يَأمرُهم أنْ يَأخذُوهُم أنْ يُنفِقوا أو يُطلِّقوا، فإنْ طلَّقُوا بَعَثوا بنَفقةِ ما حَبَسوا» (١)، وهذا إجبارٌ على الطَّلاقِ عندَ الامتِناعِ مِنْ الإنفاقِ.

ولأنَّ الإنفاقَ عَليها مِنْ مالِه يَتعذرُ، فكانَ لها الخِيارُ كحالِ الإعسارِ، بل هذا أَولى بالفَسخِ؛ فإنه إذا جازَ الفَسخُ على المَعذورِ فعَلى غيرِه أَولى، ولأنَّ في الصبْرِ ضَررًا أمكَنَ إزالتُه بالفَسخِ، فوجَبَتْ إزالتُه، ولأنه نَوعُ تَعذُّرٍ يُجوِّزُ الفَسخَ، فلَم يَفترقِ الحالُ بينَ المُوسرِ والمُعسرِ، كما إذا أدَّى ثمَنَ المَبيعِ فإنه لا فرْقَ في جَوازِ الفَسخِ بينَ أنْ يكونَ المُشتري مُعسرًا وبينَ أنْ يَهربَ قبلَ أداءِ الثَّمنِ، وعَيبُ الإعسارِ إنما جوَّزَ الفسخَ لتعذُّرِ الإنفاقِ؛ بدَليلِ أنه لو اقتَرضَ ما يُنْفِقُ عليها أو تبَرَّعَ له إنسانٌ بدَفعِ ما يَنفقُه لم تَملكِ الفَسخَ.

وقولُهم: إنه يُحتملُ أنْ يُنفقَ فيما بعدَ هذا.

قُلنا: وكَذلكَ المُعسرُ يُحتملُ أنْ يُغنيَه اللهُ، وأنْ يَقترضَ أو يُعطَى ما يُنفقُه، فاستَويَا (٢).


(١) صَحيحٌ: رواه الشافعي في «مسنده» (١/ ٢٦٧)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (١٢٣٤٧)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١٥٤٨٤).
(٢) «المهذب» (٢/ ١٦٣)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٢٦٧، ٢٦٨)، و «مغني المحتاج» (٥/ ١٧٥)، و «تحفة المحتاج» (١٠/ ٢٠٩، ٢١٠)، و «نهاية المحتاج» (٧/ ٢٤٥، ٢٤٦)، و «الديباج» (٣/ ٦٣٥)، و «المغني» (٨/ ١٦٤)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٦٦٩، ٦٧١)، و «كشاف القناع» (٥/ ٥٦٢، ٥٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>