للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الحَنابلةُ: وهذا الكَلامُ في الحُكمِ، فأما فيما بينَه وبينَ اللهِ تعالَى فيَنبني ذلكَ على عِلمِه بصِدقِه، فإنْ عَلِمَ أنَّ الأمرَ كما قالَ فهي مُحرَّمةٌ عليه ولا نِكاحَ بينَهُما، وإنْ عَلِمَ كَذِبَ نفسِه فالنكاحُ باقٍ بحالِه وقَولُه كَذبٌ لا يُحرِّمُها عليه؛ لأنَّ المُحرِّمَ حَقيقةً الرضاعُ لا القولُ، وإنْ شكَّ في ذلك لم يزلْ عن اليَقينِ بالشكِّ، وقيلَ في حلِّها له: إذا عَلِمَ كَذِبَ نفسِه رِوايتانِ، والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّ قولَه ذلكَ إذا كانَ كذبًا لم يُثبتِ التحريمَ، كما لو قالَ لها وهي أكبَرُ منه: «هي ابنَتي مِنْ الرضاعةِ» (١).

وذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنه إذا أقَرَّ بذلكَ ثم قالَ: «أوهِمْتُ أو، أخطَأْتُ، أو غَلطتُ، أو نَسيتُ، أو كَذبتُ» فهُمَا على النكاحِ ولا يُفرَّقُ بينَهُما؛ لأنَّ الإقرارَ إخبارٌ، فقولُه: «هذه أختِي» إخبارٌ منه أنها لم تَكنْ زوجَتَه قطُّ لكَونِها مُحرَّمةً عليه على التأبيدِ، فإذا قالَ: «أوهِمتُ» صارَ كأنَّه قالَ: «ما تَزوجتُها» ثم قالَ: «تزوَّجتُها» وصدَّقتْه المَرأةُ، ولو قالَ ذلكَ يُقَرَّانِ على النكاحِ، كذا هذا، بخِلافِ الطلاقِ؛ لأنَّ قولَه: «كنتُ طلَّقتُكِ ثلاثًا» إقرارٌ منه بإنشاءِ الطلاقِ الثلاثِ مِنْ جِهتِه، ولا يَتحققُّ إنشاءُ الطلاقِ إلا بعدَ صِحةِ النكاحِ، فإذا أقَرَّ ثم رجَعَ عنه لم يُصدَّقْ، ولو جحَدَ الإقرارَ فشَهدَ شاهِدانِ على إقرارِه فُرِّقَ بينَهُما (٢).


(١) «المغني» (٨/ ١٥٤)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٥٥٨)، و «المبدع» (٨/ ١٨١)، و «الإنصاف» (٩/ ٣٤٨)، و «كشاف القناع» (٥/ ٥٣٥، ٥٣٦)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٢٠٤).
(٢) «بدائع الصنائع» (٤/ ١٤)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ٣٢١)، و «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٢٢٣)، و «الفتاوى الهندية» (١/ ٣٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>