للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عائشةُ انظُرنَ مَنْ إخوَانُكنَّ، فإنَّما الرَّضاعةُ مِنْ المَجاعةِ» (١)، ولو كانَ رَضاعُ الكَبيرِ مُحرِّمًا لَمَا قالَ النبيُّ لعائِشةَ وقد تغيَّرَ وَجهُه وكَرِهَ دُخولَ أخيها مِنْ الرَّضاعةِ عليها لمَّا رآهُ كَبيرًا: «انظُرْنَ مَنْ إخوانُكُنَّ»، فلو حرَّمَ رَضاعُ الكَبيرِ لم يَكنْ فرَّقَ بينَه وبينَ الصَّغيرِ، ولَمَا كَرِهَ ذلك وقالَ: «انظُرنَ مَنْ إخوانُكنَّ» ثمَّ قالَ: «فإنما الرَّضاعةُ مِنْ المَجاعةِ»، وتَحتَ هذا مِنْ المَعنى خَشيةُ أنْ يكونَ قد ارتَضعَ في غيرِ زَمنِ الرضاعِ وهو زَمنُ المَجاعةِ، فلا يَنشرُ الحُرمةَ فلا يكونُ أخًا.

وعن يَحيى بنِ سَعيدٍ أنَّ أبا مُوسى قالَ: «رَضاعةُ الكَبيرِ ما أراها إلا تُحرِّمُ، فقالَ ابنُ مَسعودٍ: انظُرْ ما يُفتِي به الرَّجلُ، فقالَ أبو مُوسى: فما تقولُ أنتَ؟ فقالَ: لا رَضاعةَ إلا ما كانَ في الحَولينِ، فقالَ أبو مُوسى: لا تَسألوني عن شيءٍ ما كانَ هذا الحَبْرُ بينَ أظهُرِكم».

وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ «أنَّ رَجلًا جاءَ إلى عُمرَ فقالَ: كانَتْ لي وَليدةٌ أطَؤُها فعمَدَتِ امرَأتي إليها فأرضَعَتْها، فدخَلْتُ عليها فقالَتْ: دُونَكَ مَقدورُ اللهِ، أرضَعْتُها، فقالَ عُمرُ : واقِعْها فهيَ جاريَتُكَ، فإنما الرَّضاعةُ عندَ الصِّغرِ».

فالنبيُّ فسَّرَ الرضاعَ المُحرِّمَ بكَونِه دافِعًا للجُوعِ مُنبتًا للَّحمِ مُنشِزًا للعَظمِ فاتِقًا للأمعاءِ، وهذا وَصفُ رَضاعِ الصَّغيرِ لا الكَبيرِ، فصارَتِ السُّنةُ مُبيِّنةً لِما في الكِتابِ أصلُه.


(١) أخرجه البخاري (٢٦٤٧)، ومسلم (١٤٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>