للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استَحسنَ في تَقديرِه مُدةَ إبقاءِ حُكمِ الرضاعِ بعدَ الحَولينِ بسِتةِ أشهُرٍ؛ لأنه أقَلُّ مدَّةِ تَغيُّرِ الوَلدِ، فإنَّ الوَلدَ يَبقَى في بَطنِ أمِّه سِتةَ أشهُرٍ يَتغذَّى بغِذائِها ثمَّ يَنفصلُ، فيَصيرُ أصلًا في الغِذاءِ.

وذهَبَ الإمامُ زُفرُ إلى أنَّ مُدةَ الرَّضاعِ المُحرِّمِ ثَلاثةُ أحوالٍ.

وزُفرُ اعتبَرَ بعدَ الحولينِ سِنةً كامِلةً فقالَ: لمَّا ثبَتَ حُكمُ الرضاعِ في ابتِداءِ السَّنةِ الثالثةِ -لمَا قالَه أبو حَنيفةَ- يَثبتُ في بَقيتِها كالسَّنةِ الأُولى والثانيةِ.

وأمَّا الآيةُ الأُولى ففيها أنَّ الحَولينِ مُدةُ الرضاعِ في حقِّ مَنْ أرادَ تَمامَ الرضاعةِ، وهذا لا يَنفي أنْ يَكونَ الزائدُ على الحَولينِ مدَّةَ الرضاعِ في حقِّ مَنْ لم يُرِدْ أنْ يُتِمَّ الرضاعةَ، مع أنَّ ذِكرَ الشيءِ بالتَّمامِ لا يَمنعُ مِنْ احتِمالِ الزيادةِ عليه، ألا ترَى إلى قَولهِ: «مَنْ أدرَكَ عَرفةَ فقدْ تمَّ حَجُّه»، وهذا لا يَمنعُ زيادةَ الفَرضِ عليه؛ فإنَّ طوافَ الزيارةِ مِنْ فُروضِ الحَجِّ، على أنَّ في الآيةِ الكَريمةِ أنَّ الحولينِ تَمامُ مُدةِ الرضاعِ، لكنَّها تَمامُ مُدةِ الرضاعِ في حقِّ الحُرمةِ أو في حقِّ وُجوبِ أجرِ الرضاعِ على الأبِ، فالنصُّ لا يَتعرَّضُ له.

وعندَهما تَمامُ مُدةِ الرَّضاعِ في حقِّ وُجوبِ الأجرِ على الأبِ، حتى أنَّ الأمَّ المُطلَّقةَ إذا طلَبَتِ الأجرَ بعدَ الحولينِ ولا تُرضعُ بلا أجرٍ لم يُجبَرِ الأبُ على أجرِ الرضاعِ فيما زادَ على الحَولينِ، أو تُحملُ الآيةُ على هذا تَوفيقًا بينَ الدَّلائلِ؛ لأنَّ دَلائلَ اللهِ ﷿ لا تَتناقضُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>