رُويَ في حَديثِ فاطِمةَ بنتِ قَيسٍ أنها قالَتْ:«طلَّقَني زَوجِي ثَلاثًا على عَهدِ رَسولِ اللهِ ﷺ، فأتَيتُ النبيَّ ﷺ فلَم يَجعلْ لي سُكنَى ولا نَفقةً» خرَّجَه مُسلمٌ، وفي بَعضِ الرِّواياتِ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ:«إنما السُّكنى والنَّفقةُ لمَن لزَوجِها عليها الرَّجعةُ»، وهذا قَولٌ مَرويٌّ عن عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ وجابرِ بنِ عَبدِ اللهِ.
وأما الذينَ أوجَبُوا لها السُّكنى دونَ النَّفقةِ فإنهُم احتَجُّوا بما رَواهُ مالكٌ في مُوطَّئِه مِنْ حَديثِ فاطِمةَ المَذكورةِ، وفيه: فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «ليسَ لكِ عليهِ نَفقةٌ، وأمَرَها أنْ تَعتدَّ في بَيتِ ابنِ أمِّ مَكتومٍ»، ولم يَذكرْ فيها إسقاطَ السُّكنى، فبَقيَ على عُمومِه في قولِه تعالَى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ [الطلاق: ٦]، وعلَّلُوا أمْرَه ﵊ بأنْ تَعتدَّ في بيتِ ابنِ أمِّ مَكتومٍ بأنه كانَ في لِسانِها بَذاءٌ.
وأما الذينَ أوجَبُوا لها السُّكنى والنَّفقةَ فصارُوا إلى وُجوبِ السُّكنى لها بعُمومِ قولِه تعالَى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ [الطلاق: ٦]، وصارُوا إلى وُجوبِ النَّفقةِ لها لكَونِ النَّفقةِ تابِعةً لوُجوبِ الإسكانِ في الرَّجعيةِ وفي الحاملِ وفي نَفسِ الزَّوجيةِ.
وبالجُملةِ فحَيثُما وجَبَتِ السُّكنى في الشرعِ وجَبَتِ النَّفقةُ، ورُويَ عن عُمرَ أنه قالَ في حَديثِ فاطِمةَ هذا:«لا نَدَعُ كتابَ نَبيِّنا وسُنتَه لقَولِ امرأةٍ» يُريدُ قولَه تعالَى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ [الطلاق: ٦] الآيَة.