إذا ثبَتَ هذا فإنه لا يُعتبَرُ وُجودُ الحَيضِ في عدَّةِ الوفاةِ في قَولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ، وحُكيَ عن مالكٍ أنها إذا كانَتْ مَدخولًا بها وجَبَ أربَعةُ أشهُرٍ وعَشرٌ فيها حَيضةٌ، واتِّباعُ الكِتابِ والسُّنةِ أَولى، ولأنه لو اعتُبِرَ الحيضُ في حقِّها لَاعتبِرَ ثلاثةَ قَروءٍ كالمُطلقةِ، وهذا الخِلافُ يَختصُّ بذاتِ القُرءِ، فأما الآيِسةُ والصغيرةُ فلا خِلافَ فيها …
والعَشرُ المُعتبَرةُ في العدَّةِ هي عَشرُ لَيالٍ بأيامِها، فتَجبُ عَشرةُ أيامٍ مع اللَّيالي، وبهذا قالَ مالكٌ والشافِعيُّ وأبو عُبيدٍ وابنُ المُنذِرِ وأصحابُ الرأيِ.
وقالَ الأوزاعيُّ: يَجبُ عَشرُ لَيالٍ وتسعةُ أيامٍ؛ لأنَّ العَشرَ تُستعملُ في اللَّيالي دونَ الأيامِ، وإنما دخَلَتِ الأيامُ اللَّاتي في أثناءِ اللَّيالي تَبعًا.
قُلنَا: العَربُ تُغلِّبُ اسمَ التأنيثِ في العَددِ، خاصَّةً على المُذكَّرِ، فتُطلِقُ لفْظَ الليالي وتُريدُ اللَّياليَ بأيامِها، كما قالَ اللهُ تعالَى: ﴿آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (١٠)﴾ [مريم: ١٠] يُريدُ أيامَها؛ بدَليلِ أنه قالَ في مَوضعٍ آخَرَ: ﴿آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾ [آل عمران: ٤١] يُريدُ بلَياليها، ولو نذَرَ اعتِكافَ العَشرِ الأخيرِ مِنْ رَمضانَ لَزمَه اللَّيالي والأيامُ، ويَقولُ القائلُ:«سِرْنا عَشرًا» يُريدُ اللَّياليَ بأيامِها، فلَم يَجُزْ نقلُها عن العدَّةِ إلى الإباحةِ بالشكِّ (١).