قالَ ابنُ القيِّمِ ﵀ بعدَما ذكَرَ الآثارَ المَذكورةَ: وهذهِ الآثارُ مُوافِقةٌ لمَحضِ القياسِ؛ فإنَّ النَّسبَ في الأصلِ للأبِ، فإذا انقَطعَ مِنْ جِهتِه صارَ للأمِّ، كما أنَّ الوَلاءَ في الأصلِ لمُعتِقِ الأبِ، فإذا كانَ الأبُ رَقيقًا كانَ لمُعتِقِ الأمِّ، فلو أُعتقَ الأبُ بعدَ هذا انجَرَّ الولاءُ مِنْ مَوالي الأمِّ إليهِ ورجَعَ إلى أصلِه، وهو نَظيرُ ما إذا كذَّبَ المُلاعِنُ نفْسَه واستَلحقَ الوَلدَ رجَعَ النَّسبُ والتعصيبُ مِنْ الأمِّ وعَصبتِها إليهِ، فهذا مَحضُ القِياسُ ومُوجَبُ الأحاديثِ والآثارِ، وهو مَذهبُ حَبْرِ الأمَّةِ وعالِمِها عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ ومَذهبُ إمامَيِ أهلِ الأرضِ في زَمانِهما أحمَدَ بنِ حَنبلٍ وإسحاقَ بنِ رَاهويهِ، وعليهِ يَدلُّ القرآنُ بألطفِ إيماءِ وأحسَنِه، فإنَّ اللهَ سُبحانَه جَعلَ عيسَى مِنْ ذُريةِ إبراهيمَ بوَاسطةِ مَريمَ أمِّه وهي مِنْ صَميمِ ذُريةِ إبراهيمَ، وسَيأتي مَزيدُ تَقريرٍ لهذا عندَ ذِكرِ أقضِيةِ النبيِّ ﷺ وأحكامِه في الفَرائضِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
فإنْ قيلَ: فما تَصنعونَ بقَولِه في حَديثٍ سَهلٍ الذي رَواهُ مُسلمٌ في صَحيحِه في قصَّةِ اللِّعانِ وفي آخِرِه: «ثمَّ جَرَتِ السُّنةُ أنْ يَرثَ مِنها وتَرثَ منهُ ما فَرضَ اللهُ لها»؟
(١) «المغني» (٦/ ٢٢٥)، و «الكافي» (٢/ ٥٢٩)، و «زاد المعاد» (٥/ ٤٠٠)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٢٧٨)، و «الاستذكار» (٥/ ٣٧٧، ٣٧٨)، و «التمهيد» (١٥/ ٤٥، ٤٦).