وقالَ أبو حَنيفةَ ومَن وافَقَه: إنْ لاعَنَها حامِلًا ثم أتَتْ بالوَلدِ لَزمَه ولم يَتمكَّنْ مِنْ نفيِه؛ لأنَّ اللعانَ لا يَكونُ إلا بينَ الزَّوجينِ، وهذه قد بانَتْ بلِعانِها في حالِ حَملِها، وهذا فيهِ إلزامُه وَلدًا ليسَ منهُ وسَدُّ بابِ الانتفاءِ مِنْ أولادِ الزِّنا واللهُ تَعالى قد جَعلَ له إلى ذلكَ طَريقًا، فلا يَجوزُ سَدُّه، وإنما تُعتبَرُ الزوجيةُ في الحالِ التي أضافَ الزنا إليها فيهِ؛ لأنَّ الولدَ الذي تَأتي به يَلحقُه إذا لم يَنْفِه، فيَحتاجُ إلى نَفيِه، وهذهِ كانتْ زَوجةً في تلكِ الحالِ، فملَكَ نَفيَ ولدِها، واللهُ أعلَمُ.
فَصلٌ: وإنْ استَلحقَ الحَملَ فمنْ قالَ: «لا يَصحُّ نفيُه» قالَ: «لا يَصحُّ استِلحاقُه»، وهو المَنصوصُ عن أحمَدَ، ومَن أجازَ نفيَه قالَ:«يَصحُّ استِلحاقُه»، وهو مَذهبُ الشافِعيِّ؛ لأنه مَحكومٌ بوُجودِه؛ بدَليلِ وُجوبِ النفقةِ ووَقْفِ المِيراثِ، فصَحَّ الإقرارُ به كالمَولودِ، وإذا استَلحقَه لم يَملكْ نفْيَه بعدَ ذلكَ كما لو استَلحقَه بعدَ الوضعِ، ومَن قالَ:«لا يَصحُّ استِلحاقُه» قالَ: لو صَحَّ استِلحاقُه لَزمَه بتَركِ نفيِه كالمَولودِ، ولا يَلزمُه ذلكَ بالإجماعِ، ولأنَّ للشَّبهِ أثَرًا في الإلحاقِ؛ بدليلِ حَديثِ المُلاعنةِ، وذلكَ مُختَصٌّ بما بعدَ الوضعِ، فاختَصَّ صِحةُ الاستِلحاقِ بهِ، فعَلى هذا لو استَلحقَه ثمَّ نفاهُ بعدَ وَضعِه كانَ له ذلكَ، فأما إنْ سَكتَ عنه فلمْ يَنفِه ولم يَستلحقْه لم يَلزمْه عندَ أحَدٍ عَلِمْنا قولَه؛ لأنَّ ترْكَه يَحتملُ أنْ يكونَ لأنه لا يَتحققُّ وُجودَه إلا أنْ يُلاعنَها، فإنَّ أبا حَنيفةَ ألزَمَه الولدَ على ما أسلَفْناهُ.