للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسمَّى عَذابًا، قالَ اللهُ تَعالى في قِصةِ الهُدهدِ: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [النمل: ٢١]، قيلَ في التَّفسيرِ: «لَأحبسَنَّه»، وهذا لأنَّ العَذابَ يُنبئُ عن مَعنَى المَنعِ في اللُّغةِ، يقالُ: «أَعْذَبَ» أي: منَعَ، و «أَعْذَبَ» أي امتَنعَ، يُستعملُ لازِمًا ومُتعدِّيًا، ومَعنى المَنعِ يُوجدُ في الحَبسِ، وهذا هو مَذهبُنا أنها إذا امتَنعَتْ مِنْ اللِّعانِ تُحبَسُ حتى تُلاعِنَ أو تُقِرَّ بالزنا فيدرأُ عنها العَذابَ وهو الحَبسُ باللِّعانِ، فإذنْ قُلنا بمُوجَبِ الآيةِ الكريمةِ (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ الزوجَ إذا قذَفَ زَوجتَه بالزِّنا لَزمَ الزوجَ ما يَلزمُ بقَذفِ أجنَبيةٍ، فيَجبُ عليهِ حدُّ القَذفِ إنْ كانَتْ مُحصَنةً، والتعزيرُ إنْ كانَتْ غيرَ مُحصَنةٍ، وحُكمَ بفِسقِه.

فإنْ طُولِبَ بالحَدِّ أو التعزيرِ فله أنْ يُسقطَ ذلكَ عَنْ نفسِه بإقامةِ البيِّنةِ على الزِّنا، وله أنْ يُسقطَ ذلكَ باللعانِ، أو أنْ تُصدِّقَه المَرأةُ على ذلك، فإنْ لاعَنَ فلا حَدَّ عليه، وإنْ لَم يَأتِ ببيِّنةٍ أو لم تُصدِّقْه المَرأةُ ولم يُلاعِنْ فيُقامُ عليه حَدُّ القَذفِ إنْ كانَتْ مُحصَنةً، والتعزيرُ إنْ كانَتْ غيرَ مُحصَنةٍ؛ لقَولِه تَعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: ٤] الآيَة، وهذا عامٌّ في الأزواجِ وغيرِ الأزواجِ، ولأنها حُرَّةٌ عَفيفةٌ قذَفَها مَنْ لم يُحقِّقْ قذْفَها، فوجَبَ أنْ يُحَدَّ لها، أصلُه الأجنَبيةُ.


(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ٢٣٨، ٢٣٩)، و «الهداية» (٢/ ٢٣)، و «العناية» (٦/ ٥٩)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٥٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>