ومَذهبُ الشافِعيةِ في المُصَدِّقةِ على الزِّنا المُعتَرِفةِ به أنه لا يَخلو أنْ تُصدِّقَ الزوجَ قبلَ لِعانِه أو بعدَه، فإنَّ صَدَّقَتْه بعدَ لِعانِه ثَبتَتْ أحكامُ اللعانِ به مِنْ وُقوعِ الفُرقةِ وتَحريمِ التَّأبيدِ ونَفيِ النَّسبِ، وليسَ لإقرارِها بالزِّنا بعدَ لِعانِ الزوجِ تأثيرٌ إلا في مَنعِها مِنْ الالتِعانِ بعدَه؛ لأنَّ لِعانَها لإسقاطِ حَدِّ الزِّنا عَنها بلِعانِ الزوجِ، والمُقِرَّةُ بالزِّنا يُوجَبُ الحَدُّ عليها بالإقرارِ ولا يَسقطُ عنها باللِّعانِ، فإنْ رَجعَتْ عنِ الإقرارِ صارَ الحَدُّ واجبًا عليها باللعانِ دونَ الإقرارِ؛ لأنَّ الرُّجوعَ في الإقرارِ بالزِّنا مَقبولٌ في سُقوطِ الحَدِّ، وجازَ لَها أنْ تُلاعِنَ لإسقاطِ الحَدِّ الواجبِ عليها بلِعانِ الزوجِ.
فأمَّا إنْ صَدَّقَتْه على الزِّنا قبلَ لِعانِه أو في تَضاعيفِه فقَدْ سقَطَ حَدُّ القَذفِ عنِ الزوجِ بتَصديقِه، فإنْ كانَ له وَلدٌ يُريدُ نفيَه فله أنْ يُلاعِنَ لنَفيِه؛ لأنه كما جازَ له أنْ يَنفيَ وَلدَ المُكذِّبةِ الظاهِرةِ العِفَّةِ فلَأنْ يَنفيَ وَلدَ المُصدِّقةِ الظاهِرةِ الفُجورِ أَولَى، وإنْ لمْ يَكنْ لها وَلدٌ ففي جَوازِ لعانِه وَجهانِ:
أحَدُهما: لا يَجوزُ أنْ يُلاعِنَ؛ لأنَّ اللعانَ مَوضوعٌ لسُقوطِ الحَدِّ ونَفيِ النَّسبِ، وقدْ سقَطَ عنه الحَدُّ بتَصديقِها وعَدمِ الولدِ الذي يَحتاجُ إلى نَفيِه.
والوَجهُ الثاني: يَجوزُ أنْ يُلاعِنَ لوُقوعِ الفُرقةِ وتأبيدِ التَّحريمِ، وليسَ للزوجةِ أنْ تُلاعِنَ بعدَ لِعانِه ما أقامَتْ على الإقرارِ بالزنا، فإنْ رَجعَتْ عنه لاعَنَتْ (١).
(١) «الأم» (٥/ ٢٩٥)، و «الحاوي الكبير» (١١/ ٧٧)، و «حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء» (٧/ ٢١٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute