فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ في الأصَحِّ والحَنابلةُ إلى أنَّ مَنْ عجَزَ عن جَميعِ خِصالِ كفَّارةِ الظِّهارِ فإنها لا تَسقطُ عنهُ، بل تبقَى في ذمَّتِه إلى أنْ يَقدرَ على شَيءٍ مِنها؛ لأنه حَقٌ للهِ تَعالى يَجبُ بسَببٍ مِنْ جِهتِه، فلَم يَسقطْ بالعَجزِ كجَزاءِ الصَّيدِ؛ لأنَّ النبيَّ ﷺ أعانَ أَوسَ بنَ الصَّامتِ بعَرقٍ مِنْ تَمرٍ وأعانَتْه امرَأتُه بمِثلِه حتى كفَّرَ، فعن خُوَيلةَ بنتِ مالِكِ بنِ ثَعلبةَ قالَتْ: «ظاهَرَ منِّي زَوجِي أَوسُ بنُ الصَّامتِ، فجِئتُ رَسولَ اللهِ ﷺ أشكُو إليهِ، ورَسولُ اللهِ ﷺ يُجادِلُني فيهِ ويقولُ: «اتَّقِي اللهَ، فإنهُ ابنُ عَمِّكِ»، فما بَرِحْتُ حتى نَزلَ القُرآنُ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١] إلى الفَرْضِ، فقالَ: «يُعتِقُ رَقبةً»، قالَتْ: لا يَجدُ، قالَ: «فيَصومُ شَهرينِ مُتَتابعَينِ»، قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ إنه شَيخٌ كَبيرٌ ما به مِنْ صِيامٍ، قالَ: «فلْيُطعِمْ ستِّينَ مِسكينًا»، قالَتْ: ما عِندَه مِنْ شيءٍ يَتصدَّقُ بهِ، قالَتْ: فأُتِيَ ساعَتَئذٍ بعَرَقٍ مِنْ تَمرٍ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ فإني أُعينُه بعَرَقٍ آخَرَ، قالَ: «قدْ أحسَنْتِ، اذهَبي فأَطعِمي بها عنهُ ستِّينَ مِسكينًا وارجِعي إلى ابنِ عَمِّكِ» (١).
وأمَرَ سَلمةَ بنَ صَخرٍ أنْ يأخُذَ صَدقةَ قَومِه فيُكفِّرَ بها عَنْ نَفسِه، فعَن سَلمةَ بنِ صَخرٍ قالَ: «كنتُ امْرأً أُصيبُ مِنْ النِّساءِ ما لا يُصيبُ غَيرِي، فلمَّا دخَلَ شَهرُ رَمضانَ خِفتُ أنْ أُصيبَ مِنْ امرَأتي شَيئًا يُتابَعُ بي حتَّى أُصبِحَ،
(١) حَدِيثٌ صَحِيحُ: رواه أبو داود (٢٢١٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute