للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد يَكونُ الإيلاءُ مُباحًا إذا لَم يُقصَدْ بهِ الإضرارُ ولم تَطُلْ مدَّتُه، كالذي يَكونُ لقَصدِ التأديبِ أو لقَصدٍ آخَرَ مُعتبَرٍ شَرعًا غيرِ قَصدٍ الإضرارِ المَذمومِ شَرعًا، وقد آلَى النبيُّ مِنْ نِسائِه شهرًا، قيلَ: لمَرضٍ كانَ برِجلِه، وقيلَ: لأجْلِ تأدِيبهِنَّ؛ لأنهنَّ قد لَقِينَ مِنْ سَعةِ حِلمِه ورِفقِه ما حَدَا ببَعضِهنَّ إلى الإفراطِ في الإدلالِ، وحمَلَ البَقيةَ على الاقتِداءِ بالأُخرَياتِ أو على استِحسانِ ذلكَ، واللهُ ورَسولُه أعلمُ ببَواطنِ الأمورِ.

وأما جَوازُ الإيلاءِ للمَصلحةِ كالخَوفِ على الوَلدِ مِنْ الغَيلِ، وكالحِميَةِ مِنْ بَعضِ الأمرَاضِ في الرَّجلِ والمَرأةِ؛ فإباحتُه حاصِلةٌ مِنْ أدلَّةِ المَصلحةِ ونَفيِ المَضرَّةِ، وإنما يَحصلُ ذلكَ بالحَلفِ عندَ بعضِ الناسِ لِمَا فيهم مِنْ ضَعفِ العزمِ واتِّهامِ أنفُسِهم بالفَلتةِ في الأمرِ إنْ لم يُقيِّدُوها بالحلِفِ (١).

والحِكمةُ في إمهالِه هذه المدَّةَ المُحافَظةُ على عَلاقةِ الزوجيةِ ومُعالَجةُ بقائِها بما هوَ غالِبٌ على طَبائعِ الناسِ، فإنَّ البُعدَ عن الزوجةِ مثلَ هذا الزَّمنِ فيهِ تَشويقٌ للزوجِ إليها، فيَحمِلُه على زِنَةِ حالِهِ معهَا وَزنًا صَحيحًا، فإذا لم تتأثَّرْ نفسُه بالبُعدِ عنها ولم يُبالِ بها سَهلَ عليه فِراقُها، وإلَّا عادَ إليها نادِمًا على إساءَتها مُصرًّا على حُسنِ مُعاشَرتِها، وكذلكَ المَرأةُ، فإنَّ هجْرَها مِنْ وَسائلِ تأديبِها، فقدْ تكونُ سَببًا في انصِرافِه عنها بإهمالِ زِينتِها أو بمُعامَلتِه مُعامَلةً تُوجبُ النَّفرةَ منها، فبُعدُه عنها هذهِ المدَّةَ زاجِرٌ لها عمَّا عَساهُ أنْ يفرطَ عنها، فانتِظارُ هذهِ المُدَّةِ لازِمٌ ضَروريٌّ لبقاءِ الزوجيةِ.


(١) «التحرير والتنوير» (٢/ ٣٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>