للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ قُدامةَ : إذا استَثنَى بلِسانِه صَحَّ ولم يقَعْ ما استَثناهُ، وهو قَولُ جَماعةِ أهلِ العِلمِ، قالَ ابنُ المُنذِرِ: أجمَعَ كلُّ مَنْ نَحفظُ عنهُ مِنْ أهلِ العِلمِ على أنَّ الرَّجلَ إذا قالَ لامرَأتِه: «أنتِ طالقٌ ثَلاثًا إلا واحِدةً» أنها تَطلُقُ طَلقَتينِ، مِنهمُ الثَّوريُّ والشافعيُّ وأصحابُ الرأيِ.

وحُكِيَ عن أبي بَكرٍ أنَّ الاستِثناءَ لا يُؤثِّرُ في عَددِ الطَّلقاتِ ويَجوزُ في المُطلَّقاتِ، فلو قالَ: «أنتِ طالقٌ ثَلاثًا إلا واحِدةً» وقَعَ الثلاثُ، ولو قالَ: «نِسائِي طَوالِقُ إلا فُلانةَ» لم تَطلُقْ؛ لأنَّ الطلاقَ لا يُمكِنُ رَفعُه بعدَ إيقاعِه، والاستِثناءُ يَرفعُه لو صَحَّ، وما ذكَرَه مِنْ التعليلِ باطِلٌ بما سلَّمَه مِنْ الاستِثناءِ في المُطلَّقاتِ، وليسَ الاستِثناءُ رَفعًا لِمَا وقَعَ؛ إذْ لو كانَ كذلكَ لَمَا صَحَّ في المُطلَّقاتِ ولا الإعتِاقِ ولا في الإقرارِ ولا الإخبارِ، وإنَّما هو مُبيِّنٌ أنَّ المُستثنَى غيرُ مُرادٍ بالكَلامِ، فهو يَمنعُ أنْ يَدخلَ فيهِ ما لولاه لَدخَلَ، فقَولُه تعالَى: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾ [العنكبوت: ١٤] عِبارةٌ عن تسعِمائةٍ وخَمسِينَ، وقَولُه تعالَى: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [الزخرف: ٢٦، ٢٧] تبَرُّؤٌ مِنْ غيرِ اللهِ.

فكذلكَ قولُه: «أنتِ طالقٌ ثلاثًا إلا واحدةً» عِبارةٌ عنِ اثنتَينِ لا غيرَ، وحَرفُ الاستِثناءِ المُستولَى عليه «إلَّا»، ويُشبَّهُ به أسماءٌ وأفعالٌ وحُروفٌ، فالأسمَاءُ «غيرُ» و «سِوَى»، والأفعالُ «ليسَ» و «لا يَكونُ» و «عَدَا»، والحُروفُ «حاشَا» و «خَلا»، فبِأيِّ كَلمةٍ استَثنَى بها صَحَّ الاستِثناءُ (١).


(١) «المغني» (٧/ ٣٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>