للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِبادةٌ أُتِيَ بها على الوَجهِ المَنهيِّ عنه؛ فلم تَصحَّ، كصَلاةِ الحائِضِ وصَومِها، وذلك لأنَّ النَّهيَ يَقتَضِي تَحريمَ الفِعلِ واجتِنابَه والتَّأثيمَ بفِعلِه، فكيفَ يَكونُ مُطِيعًا بما هو عاصٍ بِه، مُمتِثلًا بمَا هو مُحَرمٌ عليه، مُتقَرِّبًا بما يَبعُدُ به؟ فإنَّ حَركاتِه وسَكَناتِه من القيامِ والرُّكوعِ والسُّجودِ أفعالٌ اختياريَّةٌ، هو عاصٍ بها مَنهِيٌّ عنها، إذا ثَبت هذا فلا فَرقَ بينَ غَصبِه لِرَقبةِ الأرضِ بأخذِها، أو دَعواهُ مِلكِيَّتَها، وبينَ غَصبِه مَنافعَها بأن يَدعِيَ إجارَتَها ظُلمًا، أو يَضَعَ يَده عليها لِيَسكُنَها مُدةً، أو يُخرِجَ رَوشَنًا - الرَّفُّ - أو سِباطًا في مَوضعٍ لا يَحِلُّ له، أو يَغصِبَ راحِلةً ويُصلِّيَ عليها، أو سَفينةً ويُصلِّيَ فيها، أو لَوحًا فيَجعلَه في سَفينةٍ ويُصلِّيَ عليه، كلُّ ذلك حكمُه في الصَّلاةِ حكمُ الدَّارِ المَغصوبةِ.

وقالَ الإمامُ أحمدُ : تَصحُّ الجمُعةُ في مَوضِعِ الغَصبِ، يَعني لو كانَ الجَامعُ أو مَوضِعٌ منه مَغصوبًا؛ صحَّتِ الصَّلاةُ فيه؛ لأَنَّ الجمُعةَ تَختَصُّ ببُقعةٍ، فإذَا صلَّاها الإمامُ في المَوضِعِ المَغصوبِ فامتنَعَ النَّاسُ من الصَّلاةِ فيه فاتَتهُمُ الجمُعةُ، وكذلك مَنِ امتنَعَ فاتَته، ولذلك أُبيحَت خلفَ الخَوارِجِ والمُبتَدِعَةِ، وصَحَّت في الطُّرقِ لِدُعاءِ الحاجةِ إليها، وكذلك الأعيادُ والجِنازةُ (١).

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : الصَّلاةُ في الأرضِ المَغصُوبةِ حَرامٌ بالإجماعِ، وصَحيحةٌ عندَنا وعندَ الجُمهورِ من الفُقهاءِ وأصحابِ الأُصولِ.

وقالَ أحمدُ بنُ حَنبَلٍ والجُبَّائيُّ وغيرُه من المُعتَزِلةِ: باطِلةٌ، واستَدلَّ عليهم الأُصوليُّونَ بإجماعِ مَنْ قبلَهم.


(١) «المغني» (٢/ ٢٦٩)، و «منار السبيل» (١/ ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>