المُحرمِ، عامَ أربَعينَ ومِئتَينِ، وماتَ وَلدُه مُحمدٌ قبلَه بعِشرينَ يَومًا، وكانَ بِشرٌ المَريسيُّ قد أهلَكَه اللهُ وماتَ في ذي الحِجةِ، عامَ ثَمانيةَ عَشرَ، وقيلَ: تِسعةَ عَشرَ ومِئتَينِ.
وعن عِمرانَ بنِ مُوسى قالَ: دَخلتُ على أبي العُروقِ الجَلَّادِ، الذي ضرَبَ أَحمدَ؛ لأنظُرَ إليه؛ فمكَثَ خَمسةً وأربَعينَ يَومًا يَنبَحُ؛ كما يَنبَحُ الكَلبُ.
وقد انتقَمَ اللهُ من كلِّ خُصومِه، المُبتدِعينَ الذين سَعَوْا في أمرِه، وخذَلَهم، ونصَرَه عليهم بحَولِ اللهِ وقُوَّتِه، وبَركةِ كِتابِه، وسُنةِ نَبيِّه مُحمدٍ ﷺ.
وشرَعَ المُتوكلُ في الإِحسانِ إلى الإِمامِ أَحمدَ، وتَعظيمِه، وإِكرامِه، وكتَبَ إلى نائِبِه ببَغدادَ، إِسحاقَ بنِ إِبراهيمَ أنْ يَبعثَ إليه بالإِمامِ أَحمدَ، فجهَّزَه مُعظَّمًا مُكرَّمًا إلى الخَليفةِ المُتوكِّلِ على اللهِ بسُرَّ مَنْ رأى، قالَ عبدُ اللهِ بنُ أَحمدَ: وبعَثَ المُتوكِّلُ إليه يَقولُ: قد أحبَبتُ أنْ أَراكَ، وأتبَرَّكَ بدُعائِك، فخرَجنا من بَغدادَ، فأنزَلَنا دارًا، والمُتوكِّلُ يَرانا من وَراءِ السِّتْرِ، وأخبَرَ بَعضَ الخَدمِ أنَّ المُتوكِّلَ لمَّا كانَ قاعِدًا وَراءَ السِّتْرِ، ودخَلَ الإمامُ الدارَ، قالَ لأُمِّه: يا أُمَّاه، قد أنارَتِ الدارُ، قالَ عبدُ اللهِ: فأمَرَ لأَبي بثِيابٍ، ودَراهمَ، وخِلعةٍ، فبَكى، وقالَ: أسلَمُ من هؤلاء مُنذُ سِتِّينَ سَنةً، فلمَّا كانَ آخِرُ العُمرِ ابتُليتُ بهم، ولمَّا جاؤُوا بالخِلعةِ لم يَمسَّها، ولا غيَّرَها، فجَعَلها على كَتفَيْه، فما زالَ يَتحرَّكُ حتى رَمَى بها، وأرسَلَ إليه المُتوكِّلُ مالًا جَزيلًا، فأبى أنْ يَقبَلَه، فقيلَ له: إنْ رَددتَه وجَدَ عليك في نَفسِه، ففرَّقَه على مُستحِقِّيه، ولم يأخُذْ منه شَيئًا، وكانَ كلَّ يَومٍ يُرسِلُ إليه مِنْ طَعامِه الخاصِّ، فلا يَأكلُ منه لُقمةً.