ترَكَ قولَه الأولَ في التمليكِ، ورجَعَ إلى أنْ قالَ: ذلكَ بيَدِها حتى تُوقَفَ، فهو أشكَلُ مِنْ التمليكِ؛ لأنَّ مالِكًا قد كانَ يَقولُ مرَّةً: إذا قالَ الرَّجلُ لغُلامِه: «أنتَ حُرٌّ إذا قَدِمَ أبي، أو: أنتَ حرٌّ إنْ قَدِمَ أبي» كانَ يقولُ: هُما مُفتَرِقانِ، قولُه:«إذا قَدِمَ أبي» أشَدُّ وأقوَى عندِي مِنْ قولِه: «إنْ قَدِمَ أبِي»، ثمَّ رجَعَ فقالَ: هُما سَواءٌ «إذا» و «إنْ»، فعلَى هذا رَأيتُ قولَه:«إذا شِئتِ فأنتِ طالقٌ، و: إنْ شِئتِ فأنتِ طالقٌ» على قولِه: «إذا قَدِمَ أبي فأنتَ حُرٌّ، و: إنْ قَدِمَ أبي فأنتَ حُرٌّ»، (قلتُ): أرَأيتَ إنْ قَبِلَتْه أيَكونُ هذا تَركًا لِمَا كانَ جعَلَ لها مِنْ ذلك؟ (قالَ): نعمْ، وهذا رأيِي ولم أسمَعْه مِنْ مالِكٍ (١).
وفيها أيضًا:(قلتُ): أرَأيتَ إنْ قالَ لها: «أنتِ طالقٌ إنْ شِئتِ، أو اختارِي، أو أمرُكِ بيَدكِ» أيَكونُ ذلكَ لها إنْ قامَتْ مِنْ مَجلسِها في قولِ مالكٍ أم لا؟ (قالَ): كانَ مالكٌ مرَّةً يَقولُ: ذلكَ لها ما دامَتْ في مَجلسِها، فإنْ تفرَّقَا فلا شيءَ لها، فقيلَ لمالكٍ: فلو أنَّ رَجلًا قالَ لامرأتِه: «أمرُكِ بيَدكِ» ثمَّ وثَبَ فارًّا يريدُ أنْ يَقطعَ بذلكَ عنها ما كانَ جعَلَ لها مِنْ التمليكِ، (قالَ): لا يَقطعُ ذلكَ عنها الذي جعَلَ لها مِنْ التمليكِ.
فقيلَ لمالكٍ: فما حَدُّه عندكَ؟ فقالَ: إذا قعَدَ معها قدْرَ ما يَرَى الناسُ أنها تَختارُ في مِثلِه وإنَّ فِراقَه إيَّاها لم يُرِدْ بذلكَ فِرارًا إلا أنه قامَ على وَجهِ ما يُقامُ له فلا خِيارَ للمَرأةِ بعدَ ذلكَ، فكانَ هذا قولَه قَديمًا ثمَّ رجَعَ فقالَ: أرَى ذلكَ بيَدِها حتى تُوقَفَ، (قالَ): فقيلَ لمالكٍ: كأنَّكَ رَأيتَه مثلَ التي تقولُ: