النِّيةُ ولا تَعملُ فيها الإشارةُ، فلمَّا وقَعَتِ الثَّلاثُ بالإشارَةِ فأَولَى أنْ تقَعَ بالنِّيةِ (١).
وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ ﵀: واختَلفُوا فيمَن قالَ لزَوجَتِه: «أنتِ طالِقٌ» وادَّعَى أنهُ أرادَ بذلكَ أكثَرَ مِنْ واحِدةٍ، إمَّا اثنتَينِ وإمَّا ثلاثًا، فقالَ مالِكٌ: هو ما نَوَى وقَد لَزمَه، وبهِ قالَ الشَّافعيُّ، إلَّا أنْ يُقيِّدَ فيَقولَ: «طَلقةً واحِدةً»، وهذا القَولُ هوَ المُختارُ عِنْدَ أصحابِه، وأمَّا أبو حَنيفةَ فقالَ: لا يقَعُ ثَلاثًا بلَفظِ الطَّلاقِ؛ لأنَّ العَددَ لا يَتضمَّنُه لَفظُ الإفرادِ لا كِنايةً ولا تَصريحًا.
وسَببُ اختِلافِهم: هل يَقعُ الطَّلاقُ بالنِّيةِ دُونَ اللَّفظِ؟ أو بالنِّيةِ معَ اللَّفظِ المُحتَمِلِ؟ فمن قالَ بالنِّيةِ أوجَبَ الثَّلاثَ، وكذلكَ مَنْ قالَ بالنِّيةِ واللَّفظِ المُحتمِلِ ورَأى أنَّ لفْظَ الطَّلاقِ يَحتمِلُ العَددَ، ومَن رَأى أنهُ لا يَحتمِلُ العَددَ وأنهُ لا بُدَّ مِنِ اشتِراطِ اللَّفظِ في الطَّلاقِ معَ النِّيةِ قالَ: لا يَجبُ العَددُ وإنْ نَواهُ، وهذهِ المَسألةُ اختَلفُوا فيها، وهيَ مِنْ مَسائِلِ شُروطِ ألفاظِ الطَّلاقِ -أعنِي اشتِراطَ النِّيةِ معَ اللَّفظِ أو بانفِرادِ أحدِهِما-، فالمَشهورُ عَنْ مالِكٍ أنَّ الطَّلاقَ لا يقَعُ إلَّا باللَّفظِ والنِّيةِ، وبهِ قالَ أبو حَنيفةَ، وقَد رُويَ عنهُ أنهُ يقَعُ باللَّفظِ دُونَ النِّيةِ، وعِندَ الشَّافعيِّ أنَّ لفْظَ الطَّلاقِ الصَّريحَ لا يَحتاجُ إلى نيَّةٍ، فمَنِ اكتَفَى بالنِّيةِ احتَجَّ بقَولِه ﷺ: «إنَّما الأعمالُ
(١) «الحاوي الكبير» (١٠/ ١٦٢، ١٦٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute