للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مُرادِ اللهِ مِنْ ذلكَ، وهذا عِنْدِي وَجهُ الاحتياطِ للمُفتِي، وباللهِ التَّوفيقُ (١).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : فأمَّا ما لا يُشبِهُ الطَّلاقَ ولا يَدلُّ على الفِراقِ كقَولِه: «اقعُدِي وقُومِي وكُلِي واشرَبي واقرُبِي وأَطعِمينِي واسقِينِي وباركَ اللهُ عليكِ وغفَرَ اللهُ لكِ ومَا أحسَنَكِ» وأشباهِ ذلكَ فليسَ بكِنايةٍ، ولا تَطلُقُ بهِ وإنْ نَوَى؛ لأنَّ اللَّفظَ لا يَحتمِلُ الطَّلاقَ، فلو وقَعَ الطَّلاقُ به لَوقَعَ بمُجرَّدِ النيَّةِ، وقدْ ذكَرْنا أنه لا يقَعُ بها، وبهذا قالَ أبو حَنيفةَ.

واختَلفَ أصحابُ الشَّافعيِّ في قَولِه: كُلِي واشرَبِي، فقالَ بعضُهُم كقَولِنا، وقالَ بعضُهُم: هوَ كِنايةٌ؛ لأنهُ يَحتَملُ «كُلِي أَلَمَ الطَّلاقِ، واشرَبِي كأسَ الفِراقِ» فوقَعَ بهِ، كقَولِنا: ذُوقِي وتَجرَّعِي.

ولنا: إنَّ هذا اللَّفظَ لا يُستَعملُ بمُفرَدِه إلَّا فيما لا ضرَرَ فيهِ، كنحوِ قَولِه تعالَى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩)[الطور: ١٩]، وقالَ: ﴿فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)[النساء: ٤]، فلَم يَكنْ كِنايةً كقولِهِ: اطعِمينِي، وفارَقَ «ذُوقِي وتَجرَّعِي»؛ فإنهُ يُستَعملُ في المَكارِهِ، كقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)[الدخان: ٤٩]، و: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (١٨١)[آل عمران: ١٨١]، و: ﴿ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨)[القمر: ٤٨]، وكذلكَ التَّجرُّعُ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ [إبراهيم: ١٧]، فلم يَصحَّ أنْ يَلحَقَ بهما ما ليسَ مَثلَهما (٢).


(١) «الاستذكار» (٦/ ٢٤).
(٢) «المغني» (٧/ ٣٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>