للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا وقَعَ الطَّلاقُ بلَفظٍ مِنْ ألفاظِ الكِنايةِ فلا بُدَّ فيهِ مِنَ النِّيةِ، ونقَلَ الإجماعَ على ذلكَ جمْعٌ مِنْ أهلِ العِلمِ.

قالَ الإمامُ الكاسانِيُّ : ولا خِلافَ أنهُ لا يَقعُ الطَّلاقُ بشيءٍ مِنْ ألفاظِ الكِنايةِ إلَّا بالنِّيةِ، فإنْ كانَ قد نوَى الطَّلاقَ يقَعُ فيما بيْنَه وبيْنَ اللهِ تعالَى، وإنْ كانَ لَم يَنوِ لا يَقعُ فيما بيْنَه وبيْنَ اللهِ تعالَى، وإنْ ذكَرَ شيئًا مِنْ ذلكَ ثمَّ قالَ: «ما أردْتُ بهِ الطَّلاقَ» يُديَّنُ فيما بيْنَه وبيْنَ اللهِ تعالَى؛ لأنَّ اللهَ تعالَى يعلَمُ سرَّهُ ونَجواهُ (١).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : وأمَّا الكِنايةُ فيَقعُ بها الطَّلاقُ معَ النِّيةِ بالإجماعِ، ولا يَقعُ بلا نيَّةٍ (٢).

إلَّا أنَّ المالكيَّةَ وبعضَ الحنابلةِ استَثنَوا بعضَ ألفاظِ الكِناياتِ، فأوقَعُوا الطَّلاقَ بها مِنْ غَيرِ نيَّةٍ وجَعلُوها كالصَّريحِ، وهي الكِناياتُ الظَّاهِرةُ مِثلَ قَولِه: أنتِ خَليَّةٌ وبَريَّةٌ وحَرامٌ وبائِنٌ وما أشبَهَ ذلكَ، فإذا قالَ لها مُبتدِئًا أو مُجيبًا لها عن مَسألَتِها إيَّاهُ الطَّلاقَ يكونُ طلاقًا، ولا يُقبَلُ مِنهُ إنْ قالَ: لم أُرِدْ بهِ؛ لأنَّ العُرفَ جارٍ بأنَّ النَّاسَ يُطلِّقونَ بهذهِ الكِناياتِ كما يُطلِّقونَ بالصَّريحِ، فلم تَحتَجْ إلى نيَّةٍ كالصَّريحِ، وعُرفُ اللُّغةِ والشَّرعِ جارٍ بذلكَ، فإذا قالَ ذلكَ ابتِداءً فيَجبُ أنْ يُحملَ على ما جَرى بهِ عُرفُ الشَّرعِ


(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ١٠٦).
(٢) «روضة الطالبين» (٥/ ٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>