ولأنَّ سائرَ الصَّرائحِ لا تَفتقِرُ إلى نيَّةٍ، فكذا صَريحُ الطَّلاقِ.
ولأنَّ الفُرقةَ تقَعُ بالفَسخِ تارَةً وبالطَّلاقِ أُخرَى، فلمَّا لَم يَفتقِرِ الفَسخُ إلى النِّيةِ لم يَفتقِرِ الطَّلاقُ إليها.
ولأنَّه لمَّا لَم يَفتقِرْ صَريحُ العِتقِ إلى النِّيةِ لم يَفتقِرْ صَريحُ الطَّلاق إلى النِّيةِ.
ولأنهُ قَدْ افتَرقَ في الطَّلاقِ حُكمُ الصَّريحِ والكِنايةِ، فلوِ افتَقرَ الصَّريحُ إلى النِّيةِ لَصارَ جَميعُه كِنايةً، وإذا كانَ كذلكَ فقَدْ وقَعَ الطَّلاقُ معَ عَدمِ النِّيةِ ظاهِرًا وباطِنًا.
وعلى هذا لو قالَ لها:«أنتِ طالِقٌ» ثمَّ قالَ: «أردْتُ أنَّها طالِقٌ مِنْ وَثاقٍ» لم يُصدَّقْ في القَضاءِ؛ لأنَّ ظاهِرَ هذا الكَلامِ الطَّلاقُ عَنْ قَيدِ النِّكاحِ، فلا يُصدِّقُه القاضِي في صَرفِ الكلامِ عَنْ ظاهِرِه، وكذا لا يسَعُ للمَرأةِ أنْ تُصدِّقَه؛ لأنَّه خِلافُ الظَّاهِرِ، ويُصدَّقُ فيما بيْنَه وبيْنَ اللهِ تعالَى؛ لأنهُ نَوَى ما يَحتَمِلُه كَلامُه في الجُملةِ، واللهُ تعالَى مُطَّلعٌ على قَلبِه.
وإنْ تَلفَّظَ بهِ وقالَ:«سبَقَ لسانِي ولم أُرِدْه» لَم يُقبَلْ منهُ في القَضاءِ؛ لأنهُ يَدَّعِي خِلافَ الظَّاهِرِ، ويُديَّنُ فيما بيْنَه وبيْنَ اللهِ تعالَى؛ لأنهُ يَحتمِلُ ما يدَّعيهِ (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ١٠١)، و «شرح السنة» للبغوي (٩/ ٢١٢)، و «المهذب» (٢/ ٨١)، و «الحاوي الكبير» (١٠/ ١٥٠)، و «البيان» (١٠/ ٨٨، ٩٦)، و «المغني» (٧/ ٢٩٤).