عَمَّنْ طلَّقَ في نَفسِه فقالَ: أليسَ قَدْ عَلِمَ اللهُ ما في نَفْسِكَ؟ قالَ: بَلى، قالَ: فلا أقولُ فيها شَيئًا.
والثَّاني: وُقوعُه إذا جزَمَ عليهِ، وهذا رِوايةُ أشهَبَ عَنْ مالِكٍ، ورُويَ عَنِ الزُّهريِّ، وحُجَّةُ هذا القَولِ قَولُه ﷺ: «إنَّما الأعمالُ بالنِّياتِ»، وأنَّ مَنْ كفَرَ في نَفسِه فهو كفر، وقولُه تعالَى: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٤٨]، وأنَّ المُصِرَّ على المَعصيةِ فاسِقٌ مُؤاخَذٌ وإنْ لَم يَفعَلْها، وبأنَّ أعمالَ القُلوبِ في الثَّوابِ والعِقابِ كأعمالِ الجَوارحِ، ولهذا يُثابُ على الحُبِّ والبُغضِ والمُوالاةِ والمُعاداةِ في اللهِ، وعلى التَّوكُّلِ والرِّضَى والعَزمِ على الطَّاعَةِ، ويُعاقَبُ على الكِبْرِ والحَسدِ والعُجْبِ والشَّكِّ والرِّياءِ وظَنِّ السَّوءِ بالأبرَياءِ.
ولا حُجَّةَ في شيءٍ مِنْ هذا على وُقوعِ الطَّلاقِ والعِتاقِ بمُجرَّدِ النِّيةِ مِنْ غيرِ تَلفُّظٍ.
أمَّا حَديثُ: «الأعمالُ بالنِّياتِ» فهو حُجَّةٌ عليهِم؛ لأنهُ أخبَرَ فيهِ أنَّ العمَلَ معَ النِّيةِ هوَ المُعتبَرُ، لا النِّيةُ وحْدَها، وأمَّا مَنِ اعتَقدَ الكُفرَ بقَلبِه أو شَكَّ فهو كافِرٌ؛ لِزَوالِ الإيمانِ الَّذي هوَ عَقدُ القَلبِ معَ الإقرارِ، فإذا زالَ العَقدُ الجازِمُ كانَ نَفسُ زَوالِه كُفرًا، فإنَّ الإيمانَ أمرٌ وُجوديٌّ ثابِتٌ قائِمٌ بالقَلبِ، فما لم يَقُمْ بالقَلبِ حصَلَ ضِدُّهُ وهُوَ الكُفرُ، وهذا كالعِلمِ والجَهلِ إذا فُقِدَ العِلمُ حصَلَ الجَهلُ، وكذلكَ كلُّ نَقيضَينِ زالَ أحَدُهما خَلَفَه الآخَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute