للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذهِ الحالَةِ، فإنَّ أقوالَ المُكلَّفِ إنَّما تَنفذُ معَ عَلمِ القائلِ بصُدورِها مِنهُ ومَعناها وإرادَتِه للتَّكلُّمِ.

فالأوَّلُ: يُخرِجُ النَّائِمَ والمَجنونَ والمُبَرسَمَ والسَّكرانَ، وهذا الغَضبانَ.

والثَّاني: يُخرِجُ مَنْ تَكلَّمَ باللَّفظِ وهوَ لا يَعلمُ مَعناهُ ألبتَةَ، وهو لا يلزَمُ مُقتضاهُ.

والثَّالثُ: يُخرِجُ مَنْ تَكلَّمَ بهِ مُكرَهًا وإنْ كانَ عالِمًا بمَعناهُ (١).

القسمُ الثَّالثُ: مَنْ تَوسَّطَ في الغضَبِ بيْنَ المَرتبتَينِ فتَعدَّى مَبادِئَه، ولَم يَنْتَهِ إلى آخِرِه بحَيثُ صارَ كالمَجنونِ، فهذا مَوضِعُ الخِلافِ، ومَحلُّ النَّظرِ بيْنَ العُلماءِ.

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحنفيَّةُ والمالكيَّةُ والشَّافعيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ طلاقَ الغَضبانِ يَقعُ وإنْ اشتَدَّ غَضَبُه، إلَّا إذا غابَ عَقلُهُ وصارَ كالمَجنونِ؛ لأنَّ طلاقَ النَّاسِ غالبًا إنَّما هوَ في حالِ الغضَبِ، فلو جازَ عَدمُ وُقوعِ طلاقِ الغَضبانِ لَكانَ لِكلِّ أحَدٍ أنْ يقولَ: «كُنْتُ غَضبانَ فلا يَقعُ عَليَّ طلاقٌ»، وهوَ باطِلٌ.

وقدْ صحَّ عنِ ابنِ عبَّاسٍ وعائشةَ أنَّه يَقعُ طَلاقُ الغَضبانِ، وأفتَى بهِ جَمْعٌ مِنَ الصَّحابةِ (٢).


(١) «إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان» ص (١٩)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٣٢٣)، و «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٢٤٤).
(٢) «شرح الزرقاني» (٣/ ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>