للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّكليفِ العَقلُ؛ قالَ: لا يَقعُ، ومَن قالَ: الفَرقُ بيْنَهُما أنَّ السَّكرانَ أدخَلَ الفَسادَ على عَقلِه بإرادتِه، والمَجنونُ بخِلافِ ذلكَ؛ ألزَمَ السَّكرانَ الطَّلاقَ، وذلكَ مِنْ بابِ التَّغليظِ عَليهِ.

واختَلفَ الفُقهاءُ فيما يَلزمُ السَّكرانَ بالجُملةِ مِنَ الأحكامِ وما لا يَلزمُه، فقالَ مالِكٌ: يَلزمُه الطَّلاقُ والعِتقُ والقَوَدُ مِنْ الجِراحِ والقَتلِ، ولم يُلزمْه النِّكاحَ ولا البَيعَ، وألزَمَه أبو حَنيفةَ كلَّ شَيءٍ، وقالَ اللَّيثُ: كلُّ ما جاءَ مِنْ مَنطِقِ السَّكرانِ فمَوضوعٌ عنهُ، ولا يَلزمُه طلاقٌ ولا عِتقٌ ولا نِكاحٌ ولا بَيعٌ ولا حَدٌّ في قَذفٍ، وكلُّ ما جَنَتْه جَوارِحُه فلازمٌ له، فيُحدُّ في الشُّربِ والقَتلِ والزِّنا والسَّرقةِ، وثَبتَ عَنْ عُثمانَ بنِ عَفانَ أنَّه كانَ لا يَرَى طلاقَ السَّكرانِ، وزعَمَ بعضُ أهلِ العِلمِ أنَّه لا مُخالِفَ لعُثمانَ في ذلكَ مِنَ الصَّحابةِ.

وقولُ مَنْ قالَ: «إنَّ كلَّ طلاقٍ جائِزٌ إلَّا طلاقَ المَعتوهِ» ليسَ نصًّا في إلزامِ السَّكرانِ الطَّلاقَ؛ لأنَّ السَّكرانَ مَعتوهٌ ما، وبهِ قالَ داودُ وأبو ثَورٍ وإسحاقُ وجَماعةٌ مِنَ التَّابعِينَ -أعنِي أنَّ طلاقَهُ ليسَ يَلزمُ-، وعَنِ الشَّافِعيِّ القَولانِ في ذلكَ، واختارَ أكثرُ أصحابِهِ قولَهُ المُوافِقَ للجُمهورِ، واختارَ المُزَنِيُّ مِنْ أصحابِهِ أنَّ طلاقَهُ غَيرُ واقِعٍ (١).


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٦١، ٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>