للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودَليلُنا عُمومُ قولِه تعالَى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠]، وقولُهُ : «الطَّلاقُ لِمَنْ أخَذَ بالسَّاقِ».

ولأنَّ السَّفيهَ أحسَنُ حالًا مِنَ العَبدِ؛ لحُريَّتِه وثُبوتِ مِلكِهِ، فلمَّا صحَّ طَلاقُ العَبدِ فأَولَى أنْ يَصحَّ طَلاقُ السَّفيهِ، ولأنَّهُ يَستَفيدُ بطَلاقِهِ سُقوطَ النَّفقةِ إنْ كانَ بعْدَ الدُّخولِ، ونصفَ المَهرِ إنْ كانَ قبْلَ الدُّخولِ، فلم يَجُزْ أنْ يُمنعَ مِنْ هذهِ الفائِدةِ ويُجبَرَ على التِزامِ النَّفقةِ، وقَولُهم أنَّهُ مالٌ كالعَبدِ غلَطٌ؛ لأنَّ العبدَ يَصحُّ بَيعُه ورَهنُه ويُورَثُ عنهُ، ولا يَصحُّ ذلكَ في الزَّوجةِ، وغُرمُ الشَّاهدَينِ المَهرَ إنَّما كانَ لأجْلِ ما أوقَعَا مِنَ الحَيلُولةِ بيْنَ الزَّوجَينِ وتَفويتِ الاستِمتاعِ عَليهِما وإنْ لَم يَتلقَّا بشَهادَتِهما مالًا، كما لو شَهِدَا بما أوجَبَ القَودَ لَزمَتْهما الدِّيةُ وإنْ لَم يَكنِ الحقُّ مالًا، واللهُ أعلَمُ بالصَّوابِ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : فَصلٌ: فأمَّا السَّفيهُ فيَقعُ طَلاقُهُ في قَولِ أكثرِ أهلِ العِلمِ، مِنهُم القاسِمُ بنُ محمَّدٍ ومالكٌ والشَّافعيُّ وأبو حَنيفةَ وأصحابُهُ، ومِنهُ منَعَ عَطاءٌ، والأَولَى صِحَّتُه؛ لأنَّهُ مُكلَّفٌ مالكٌ لمَحلِّ الطَّلاقِ، فوقَعَ طَلاقُهُ كالرَّشيدِ، والحَجرُ عَليهِ في مالِهِ لا يَمنعُ تَصرُّفَه في غَيرِ ما هو مَحجورٌ عليهِ فيهِ كالمُفلِسِ (٢).


(١) «الحاوي الكبير» (٦/ ٣٦٣، ٣٦٤).
(٢) «المغني» (٧/ ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>