للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


«فهذا كتابُ اللهِ تَعالى، وهذهِ سنَّةُ رَسولِ اللهِ ، وهذهِ لغةُ العَربِ، وهذا عرفُ التَّخاطُبِ، وهذا خَليفةُ رَسولِ اللهِ ، والصَّحابةُ كلُّهم معَهُ في عَصرِهِ وثلاثِ سِنينَ مِنْ عَصرِ عُمرَ على هذا المَذهبِ.
فلَو عدَّهُم العادُّ بأسمائِهِم واحدًا واحِدًا أنَّهم كانُوا يَرَونَ الثَّلاثَ واحدةً إمَّا بفتوى وإمَّا بإقرارٍ عليها، ولو فُرِضَ مِنهُم مَنْ لم يكنْ يَرى ذلكَ فإنَّهُ لم يكنْ مُنكِرًا للفَتوى بهِ؛ بلْ كانُوا ما بَينَ مُفتٍ ومُقرٍّ بفُتيا وساكتٍ غَيرِ مُنكِرٍ.
وهذا حالُ كلِّ صحابيٍّ مِنْ عَهدِ الصِّديقِ إلى ثلاثِ سِنينَ مِنْ خِلافةِ عُمرَ، وهُم يَزيدُونَ على الألفِ قَطعًا؛ كما ذكَرَ يُونسُ بنُ بُكيرٍ عن أبي إسحاقَ.
فكُلُّ صحابيٍّ كانَ على أنَّ الثَّلاثَ واحدةٌ بفَتوى أو إقرارٍ أو سُكوتٍ.
ولقَدِ ادَّعى بعضُ أهلِ العِلمِ أنَّ هذا إجماعٌ قديمٌ، ولم تُجمعِ الأمَّةُ -وللهِ الحَمدُ- على خِلافِه، بلْ لم يَزَلْ فيهم مَنْ يُفتي بهِ قَرنًا بعْدَ قَرنٍ وإلى يَومِنا هذا.
فأفتَى بهِ حَبْرُ الأمَّةِ وتُرجمانُ القُرآنِ عَبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ، كما رَواهُ حمَّادُ بنُ زَيدٍ عن أيُّوبَ عن عِكرمةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ: إذا قالَ: أنْتِ طالِقٌ ثلاثًا بفَمٍ واحدٍ فهي واحدةٌ.
وأفتَى بأنَّها واحدةٌ الزُّبيرُ بنُ العَوَّامِ وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ، حكاهُ عَنهُما ابنُ وضَّاحٍ.
وأمَّا التَّابعونَ: فأفتَى بهِ عِكرمةُ وطاوسٌ.
وأمَّا تَابِعُو التَّابعِينَ: فأفتَى بهِ مُحمَّدُ بنُ إسحاقَ وخلاسُ بنُ عَمرٍو والحارِثُ العكليُّ.
وأمَّا أتباعُ تابِعي التَّابِعينَ: فأفتَى بهِ داودُ بنُ عليٍّ وأكثرُ أصحابِه، وأفتَى بهِ بَعضُ أصحابِ مالكٍ، وأفتَى بهِ بعضُ الحنفيَّةِ، وأفتَى بهِ بعضُ أصحابِ أحمدَ.
والمَقصودُ: أنَّ هذا القولَ قدْ دلَّ عليهِ الكتابُ والسُّنةُ والقياسُ و «الإجماع» القَديمُ، ولَم يأتِ بعْدَه إجماعٌ يُبطِلُه، ولكنْ رأَى أميرُ المُؤمنِينَ عمَرُ أنَّ النَّاسَ استَهانُوا بأمرِ الطَّلاقِ، وكَثُرَ منهم إيقاعُهُ جُملةً واحدةً، فرَأى مِنَ المصلحةِ عُقوبتَهم بإمضائِهِ عليهِم، فرَأى عُمرُ أنَّ هذَا مَصلحةٌ لهُم في زَمانِه.
والَّذي نَدِينُ اللهَ تعالى بهِ ولا يَسَعُنا غيرُه وهوَ القَصدُ في هذا البابِ: أنَّ الحديثَ إذا =

<<  <  ج: ص:  >  >>