ووَقَفْنا عليهِ لا يَجوزُ لنا خِلافُهُ إلى ما قدْ رَأَيناهُ ممَّا قدْ تقدَّمَ فِعْلُهم لهُ كانَ كذلكَ ما وَقَفونا عليهِ مِنْ الطَّلاقِ الثَّلاثِ المُوقَعِ معًا أنَّهُ يَلزمُ لا يَجوزُ لنا خِلافُه إلى غَيرِه ممَّا قدْ رُويَ أنَّه كانَ قبْلَه علَى خِلافِ ذلكَ، ثمَّ هذا ابنُ عبَّاسٍ ﵄ قدْ كانَ مِنْ بعْدِ ذلكَ يُفتِي مَنْ طلَّقَ امرَأتَه ثَلاثًا معًا أنَّ طلاقَهُ قد لزِمَه وحرَّمَها عليهِ … (١).
وقالَ الإمامُ النَّوويُّ ﵀ لمَّا ذكَرَ حَديثَ ابنِ عبَّاسٍ قالَ: وقدِ اختَلفَ العُلماءُ فيمَن قالَ لامرَأتِه: «أنتِ طالِقٌ ثَلاثًا»، فقالَ الشَّافعيُّ ومالِكٌ وأبو حَنيفةَ وأحمَدُ وجَماهيرُ العُلماءِ مِنَ السَّلفِ والخَلَفِ: يقَعُ الثَّلاثُ.
وقالَ طاوسٌ وبعضُ أهلِ الظَّاهِرِ: لا يقَعُ بذلكَ إلَّا واحدةٌ، وهوَ رِوايةٌ عن الحجَّاجِ بنِ أَرطاةَ ومُحمدِ بنِ إسحاقَ، والمَشهورُ عنِ الحجَّاجِ بنِ أَرطاةَ أنَّهُ لا يقَعُ بهِ شيءٌ، وهوَ قولُ ابنِ مقاتِلٍ وروايةٌ عنْ محمَّدِ بنِ إسحاقَ، واحتَجَّ هؤلاءِ بحَديثِ ابنِ عبَّاسٍ هذا، وبأنَّهُ وقَعَ في بعضِ رِواياتِ حديثِ ابنِ عُمرَ أنَّهُ طلَّقَ امرَأتَهُ ثَلاثًا في الحَيضِ ولَم يحتَسبْ بهِ، وبأنَّهُ وقَعَ في حَديثِ رُكانَةَ أنَّهُ طلَّقَ امرأتَهُ ثَلاثًا وأمَرَه رَسولُ اللهِ ﷺ برَجْعَتِها.
واحتَجَّ الجُمهورُ بقَولِه تعالَى: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١)﴾، قالُوا: مَعناهُ أنَّ المُطلِّقَ قدْ يَحدثُ لهُ ندمٌ فلا يُمكِنُه تَدارُكُه؛ لوُقوعِ البَينونةِ، فلو كانَتِ الثَّلاثُ لا تقَعُ
(١) «شرح معاني الآثار» (٣/ ٥٥، ٥٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute