وأمَّا قَولُكُم: «إنَّ الفُروجَ يُحتَاطُ لها» فنَعَمْ، وهَكذا قُلنا سَواءً، فإنَّا احتَطْنا وأبقَيْنا الزَّوجَينِ على يَقينِ النِّكاحِ حتَّى يأتِيَ ما يُزيلُهُ بيَقينٍ، فإذا أخطَأْنا فخَطَؤُنا في جِهَةٍ واحدَةٍ، وإنْ أصَبْنا فصَوابُنا في جِهتَينِ: جِهةُ الزَّوجِ الأوَّلِ وجِهةُ الثَّاني، وأنْتُم تَرتكِبُونَ أمرَينِ: تَحريمُ الفَرْجِ على مَنْ كانَ حَلالًا لهُ بيَقينٍ، وإحلالُه لغَيرِه، فإنْ كانَ خَطأً فهوَ خَطأٌ مِنْ جِهتَينِ، فتَبيَّنَ أنَّا أَولَى بالاحتياطِ مِنكُم، وقَد قالَ الإمامُ أحمَدُ في رِوايةِ أبِي طالِبٍ في طَلاقِ السَّكرانِ نَظيرَ هذا الاحتِياطِ سَواءً، فقالَ: الَّذي لا يأمُرُ بالطَّلاقِ إنَّما أتَى خصلَةً واحِدةً، والَّذي يَأمرُ بالطَّلاقِ أتَى خصلتَينِ: حرَّمَها عليهِ وأحَلَّها لغَيرِه، فهَذا خَيرٌ مِنْ هَذا (١).
وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ ﵀: وأمَّا المَوضِعُ الثَّالِثُ في حُكمِ مَنْ طلَّقَ في وقْتِ الحَيضِ: فإنَّ النَّاسَ اختَلفُوا مِنْ ذلكَ في مَواضِعَ مِنها:
أنَّ الجُمهورَ قالُوا: يَمضِي طَلاقُه، وقالَتْ فِرقَةٌ: لا يَنفُذُ ولا يقَعُ …
فإنَّ الجُمهورَ إنَّما صارُوا إلى أنَّ الطَّلاقَ إنْ وقَعَ في الحَيضِ اعتُدَّ بهِ وكانَ طَلاقًا؛ لقَولِه ﷺ في حَديثِ ابنِ عُمرَ: «مُرْهُ فلْيُراجِعْها»، قالُوا: والرَّجعَةُ لا تَكونُ إلَّا بعْدَ طَلاقٍ.
(١) يُنظَر: «مجموع الفتاوى» (٣٣/ ٩٨، ١٠١)، و «جامع المسائل» (١/ ٣٣٨، ٣٤٠)، و «زاد المعاد» (٥/ ٢٢٣، ٢٤٠)، و «حاشية ابن القيم على سنن أبي داود» (٦/ ١٦٥، ١٧٨)، و «الصواعق المرسَلة» (٢/ ٦٢٨، ٦٣١)، و «الحاوي الكبير» (١٠/ ١١٥، ١١٦)، و «المحلى» (١٠/ ١٦٣، ١٦٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute