والقولُ الثَّاني: إبانتُها بغيرِ عِوضٍ مُطلَقًا باختيارِها وغَيرِ اختيارِها، وهذا مَذهبُ أبي حَنيفةَ ورِوايةٌ عن الإمامِ أحمَدَ.
والقَولُ الثَّالثُ: لهُ إبانتُها بغَيرِ عِوضٍ في بَعضِ المواضِعِ دُونَ بَعضٍ، فإذا اختارتِ الإبانةَ بغَيرِ عِوضٍ فلهُ أنْ يُبينَها، ويَصحُّ الخُلعُ بغيرِ عِوضٍ ويَقعُ بهِ البَينونةُ، إمَّا طلاقًا وإمَّا فَسخًا على أحدِ القَولينِ، وهذا مذهَبُ مالكٍ المَشهورُ عنهُ في رِوايةِ ابنِ القاسِمِ، وهو الرِّوايةُ الأُخرى عن الإمامِ أحمَدَ اختارَها الخِرَقيُّ، وهذا القولُ له مَأخذانِ:
أحَدُهما: أنَّ الرَّجعةَ حقٌّ للزَّوجينِ، فإذا تَراضَيا عَلى إسقاطِها سقطَتْ.
والثَّاني: أنَّ ذلكَ فُرقةٌ بعِوضٍ؛ لأنها رَضيَتْ بتَركِ النَّفقةِ والسُّكنى، ورَضيَ هو بتَركِ ارتِجاعِها، وكما أنَّ له أنْ يَجعلَ العوضَ إسقاطَ ما كانَ ثابِتًا لها مِنْ الحُقوقِ كالدَّينِ فله أنْ يجعَلَه إسقاطَ ما ثبَتَ لهُما بالطَّلاقِ، كما لو خالَعَها على نَفقةِ الولَدِ، وهذا قولٌ قَويٌّ، وهو داخِلٌ في النَّفقةِ مِنْ غيرِه (١).
وقالَ الإمامُ العَمرانِيُّ ﵀: وإنْ قالَ: «خالَعْتُكِ» فقالَتْ: «قبلْتُ» ولم تَذكرِ العوَضَ؛ فإنْ قُلنا: الخُلعُ طَلاقٌ؛ فإنْ نَوى به الطَّلاقَ .. وقَعَ عليها رَجعيًّا ولا شيءَ عليها؛ لأنها لم تَلتزمْ لهُ عِوضًا، وإنْ قُلنا: إنَّ الخُلعَ فَسخٌ .. ففيه وَجهانِ:
(١) «الاختيارات» (٣٦٢)، و «الفتاوى الكبرى» (٤/ ٥٦٦).