بَاب الرجل المسلم يفعل ما يجبُ فيه الحد في دار الحربِ
قال: وأما إذا دخل المسلم دار الحرب بأمانٍ، فزني، أو سرق، أو شرب خمرًا، أو قذف مسلمًا، أو قتله عمدًا أو خطأً، ثم رجع إلى دار الإسلام، فإنّه لا يؤخذ بشيءٍ من ذلك، إلا في القتل، فإنّه يضمن الدية في ماله عمدًا كان أو خطأً.
وأما الحدود؛ فلأنّ الإمام لا يد له في دار الحرب، فلم يثبت له حقّ المطالبة عند وجود السبب، فصار ذلك شبهةً مانعةً من ثبوت المطالبة في الثاني؛ ولأنّ المستأمن في حكم أهل الحرب من وجهٍ؛ ولذلك لا يصح أمانه لهم، وأهل الحرب لا يجب عليهم الحدود.
فأما القتل، فقد وجد مع سبب الإباحة، ألا ترى أنّ الدماء في دار الحرب مباحةٌ، وسبب الإباحة إذا قارن ما يسقط بالشبهة سقط وإن لم تحصل الإباحة.
وإنّما وجب المال؛ لأنّه لا شبهة في وجوبه، بدلالة أن المداينة تثبت في دار الحرب، ودم العمد إذا سقط بالشبهة، وجب فيه المال، فأما الخطأ فلا تحمله العاقلة؛ لأنّ العاقلة إنّما تتحمّل بالنصرة، ولا يلزمهم نصرة مَنْ في دار الحرب؛ فلذلك لم يعقلوا عنه.
قال: ولو كان أميرًا على سَريّة بعثها الإمام إلى دار الحرب، أو أمير جيش على خمسة آلاف أو أربعة آلاف، فزنى منهم رجلٌ، أو سرق أو شرب خمرا، أو قتل مسلمًا عمدًا أو خطأً، فإنّه لا يأخذه أمير السرية ولا أمير الجيش بشيءٍ من