قال محمد في إملائه: قال أبو حنيفة: إذا قال الرجل للرجل: قد تصدقت عليك بهذه الدار، غنيًّا كان المُتَصَدَّقُ عليه أو فقيرًا، ودفعها إليه، فذلك جائز، ولا سبيل للمُتَصَدِّقِ على الرجوع فيها بوجهٍ من الوجوه.
وكذلك لو قال: قد جعلتها لك، أو قد وهبتها لك، وهو محتاج على وجه الصدقة، ودفعها إليه، لم يكن له أن يرجع فيها، وهذا قول أبي يوسف ومحمد.
أما الصدقة على الفقير، فقد بيّنا: أنه لا يجوز الرجوع فيها؛ لأن المقصود منها الثواب، وقد سلم ذلك من جهة الله تعالى.
وأما إذا وهب للفقير، فإنه لا يرجع أيضًا؛ لأن المقصود من الفقير ليس هو العوض، وإنما العوض هو الثواب، فصار كالصدقة بالعقد؛ لأن المعتبر بمعنى العقد دون لفظه، ومعنى هبة الفقير، الصدقة، فلم يجز الرجوع فيها.
وأما إذا تصدّق على الغني، فالقياس: أن يرجع؛ لأن المقصود بهبة الغني، العوض، فصار كالهبة.
إلا أنهم استحسنوا فقالوا: لا يرجع فيها؛ لأنَّه عبّر عنها بالصدقة، ولو أراد الهبة لعبّر بلفظها؛ ولأن الثواب قد يطلب بالصدقة على الأغنياء، ألا ترى أن من له مقدار النصاب، وله عيال لا يكفيه ما في يده، ففي الصدقة عليه ثواب؛ فلذلك لا يجوز الرجوع.