الحارث شهدوا على المغيرة بالزنا عند عمر بن الخطاب، ثم قام زياد وكان الرابع، فقال: رأيت أقدامًا باديةً، ونَفَسًا عاليًا، وأمرًا منكرًا، ولا أعلم ما وراء ذلك، فقال عمر بن الخطاب: الحمد لله الذي لم يفضح رجلًا من أصحاب رسول الله، وحدّ الثلاثة (١)، وذلك بحضرة الصحابة من غير خلافٍ.
ولأن المعنى المانع من قبول شهادتهم، نقصان العدد، وهو مقطوع به، فصار كترك لفظ الشهادة؛ ولأنا لو لم نحد من جاء مجيء الشهادة، لسقط حدّ القذف؛ لأن كل قاذف يخرج قذفه مخرج الشهادة، فيسقط بذلك الحدّ عن نفسه، وهذا لا يجوز.
٢٦٦٢ - [فَصْل: مجيء الشهود متفرقين يشهدون على الزنا]
قال: وكذلك إن جاء الأربعة متفرقين يشهدونَ على الزنا، واحدٌ بعد واحدٍ، لم تقبل شهادتهم، وهم قذفةٌ يحدُّ كلّ واحدٍ حدَّ القذف ما كان عددهم.
وذلك لأن كمال العدد لو اعتدّ به في مجلسين لم يعجل عمر ﵁ بحدّ الثلاثة، ولسألهم هل معهم من يشهد بدل زياد، فلما حدّهم في الحال ولم ينتظر كمال العدد، دلَّ على أن من شهد في مجلسٍ ثانٍ لا يعتدّ بشهادته؛ ولأنهم إذا حضروا وعددهم ناقص، صاروا قذفةً على ما قدمنا، ولزمهم الحد للمشهود عليه، فلم يجز الحكم عليه بشهادتهم بعد ذلك.
وأما إذا حضروا في مجلس واحدٍ، وجلسوا مجلسَ الشهود، وقام إلى القاضي واحدٌ بعد واحدٍ، فشهدوا، قبلت شهادتهم؛ لأنه لا يمكن أداء الشهادة
(١) أخرجه الطبراني في الكبير (٧٢٢٧)، وقال ابن حجر في الفتح: "إسناده صحيح" (٥/ ٢٥٦).