بَابْ الدعوى إذا خالفت الشهادة
قال أيده الله: الأصل في هذا الباب أنَّ البينةَ التي تقوم لحق آدمي لا تقبل
إلا بمدعٍ؛ لأنها حق له، وحقوق الإنسان تقف على مطالبته، أو مطالبة من يقوم
مقامه، فمتى خالفت الدعوى البينة لم تقبل البينة؛ لأنه لا مُدّعي لها، والمعتبر
اتفاق الدعوى والشهادة من طريق المعنى لا من طريق اللفظ، ألا ترى أن المدعي
يقول: أدّعي كذا، والشاهد يقول أشهد بكذا، فيختلف اللفظ، ويتفق المعنى،
فكل موضع أمكن أن يوفق بين الدعوى والشهادة لم تبطل، وإذا لم يمكن أن
يوفق (١) بينهما بطلت.
قال أبو الحسن رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار في يد رجل، فادّعاها
آخر أنها له ورثها عن أبيه، وجحد الذي في يديه الدار دعواه، فأقام المدعي البينة
أنه اشتراها من الذي هي في يديه منذ سنتين ولم يذكرا أباه، فإن هذه الشهادة لا
تقبل في قولهم؛ (وذلك لأنه ادّعى مِلْكًا من جهة الميراث، وشهد الشهود
بالشراء، وهذه شهادة لا مدعي لها، فلا تقبل؛ لأنه في الظاهر أكذب الشهود
بدعواه الإرث، فلا تقبل شهادتهم.
قال: ولو ادّعى أولًا أن الذي في يديه تصدق بها عليه، ثم أقام بينة أنه
اشتراها من الذي هي في يديه، أو ادّعى أولًا الشراء ثم أقام بينةً على
صدقةٍ أو هبةٍ من الذي هو في يديه وأنه قبضها، لم تقبل بَيِّنَته؛ وذلك لأنه ادعى
(١) في ل (التلفيق).